أي: أغطية من النار جمع غاشية والتنوين فيه عوض عن الياء التي هي حرف علة.
وقيل: عن حركتها {وكذلك نجزي الظالمين} عبر عنهم بالمجرمين تارة وبالظالمين أخرى إشعاراً بأنهم بتكذيبهم الآيات اتصفوا بهذه الأوصاف الذميمة وذكر الجرم مع الحرمان من الجنة والظلم مع التعذيب بالنار تنبيهاً على أنه أعظم الإجرام.
وقوله تعالى:
{والذين آمنوا وعملوا الصالحات} مبتدأ وقوله تعالى: {لا نكلف نفساً إلا وسعها} أي: طاقتها من العمل اعتراض بينه وبين خبره وهو {أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون} وإنما حسن وقوع ذلك بين المبتدأ والخبر لأنه من جنس هذا الكلام لأنّ الله تعالى لما ذكر عملهم الصالح دل ذلك على أنّ ذلك العمل من وسعهم وطاقتهم وغير خارج عن قدرتهم وفيه تنبيه للكفار على أنّ الجنة مع عظم قدرها ومحلها يوصل إليها بالعمل السهل من غير تحمل كلفة ولا مشقة صعبة وأتبع الوعيد بالوعد على عادته فقال تعالى:
{ونزعنا ما في صدورهم من غل} أي: غش وعداوة كانت بينهم في الدنيا فمن كان في قلبه على أخيه غل في الدنيا نزع فسلمت قلوبهم وطهرت ولم يكن بينهم إلا التوادد والتعاطف، وعن عليّ رضي الله عنه: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم.
وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار ليقتص بعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا» وقال السديّ في هذه الآية: إنّ أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان فشربوا من إحداهما فنزع ما في صدورهم من غل وهو الشراب الطهور واغتسلوا من الآخر فجرت عليهم بنضرة النعيم فلا يشعثوا ولا يشحنوا بعدها أبداً، وقيل: إنّ درجات الجنة متفاوتة في العلوّ والكمال فبعض أهل الجنة أعلى من بعض فأخرج الله تعالى الغل والحسد من صدورهم وأزاله عنهم ونزعه من قلوبهم فلا يحسد صاحب الدرجة النازلة صاحب الدرجة العالية {تجري من تحتهم الأنهار} أي: من تحت قصورهم زيادة في لذتهم وسرورهم {وقالوا الحمد الذي هدانا لهذا} أي: إن المؤمنين إذا دخلوا الجنة قالوا: الحمد لله الذي وفقنا وأرشدنا للعمل الذي هذا ثوابه وتفضل علينا به رحمة منه وإحساناً وصرف عنا عذاب جهنم بفضله وكرمه فله الحمد على ذلك {وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله} أي: لولا هداية الله وتوفيقه، واللام لتوكيد النفي وجواب لولا محذوف دل عليه قوله تعالى: {وما كنا لنهتدي} وتقديره: لولا هداية الله لنا موجودة لشقينا أو ما كنا مهتدين، وقرأ ابن عامر بحذف الواو قبل ما والباقون بالواو.
وإذا دخل أهل النعيم الجنة ورأوا ما أعدّ الله تعالى لهم من النعيم قالوا: {لقد جاءت رسل ربنا بالحق} فاهتدينا بإرشادهم يقولون ذلك سروراً واعتباطاً بما نالوا وتلذذوا بالتكلم به وتبجحاً بأنّ ما علموه يقيناً في الدنيا صار لهم عين اليقين في الآخرة، وقرأ نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم بإظهار الدال والباقون بالإدغام {ونودوا} إذا رأوها من بعيد أو بعد دخولها والمنادي هو الله تعالى أو الملائكة ينادون بأمر الله تعالى {أن تلكم الجنة} التي كانت الرسل وعدتكم بها في الدنيا.
وروي أنّ رسول الله