الحق والرشاد {وما كانوا مهتدين} أي: إلى طريق الحق والصواب في فعلهم.
روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة في سورة الأنعام {قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهاً} إلى قوله: {وما كانوا مهتدين} .
وروي عن مهدي بن ميمون أنه قال: سمعت بأرجاء العطاردي يقول: كنا نعبد الحجر فإذا وجدنا حجراً أحسن منه ألقيناه وأخذنا الآخر وإذا لم نجد حجراً جمعنا حثوة من تراب ثم جئنا بالشاة فحلبنا عليه ثم طفنا به فإذا دخل شهر رجب قلنا: منصل الأسنة فلا ندع رمحاً فيه حديدة ولا سهماً فيه حديدة إلا نزعناه فألقيناه في رجب.
{وهو الذي أنشأ} أي: خلق {جنات} أي: بساتين {معروشات} أي: مبسوطات على الأرض كالبطيخ والقثاء {وغير معروشات} بأن ارتفعت على ساق كالنخل وشجر الرمان، وقال الضحاك: كلاهما في الكرم خاصة لأنّ منه ما يعرش بأن يبقى على وجه الأرض منبسطاً ومنه ما لم يعرش بأن يرتفع على ساق، وقيل: المعروشات ما عرشه الناس في البساتين، واهتموا به فعرشوه من كرم وغيره، وغير المعروشات هو ما أنبته الله تعالى في البراري والجبال من كرم أو شجر {و} أنشأ {النخل والزرع مختلفاً أكله} أي: ثمره وحبه في الهيئة والطعم منها الحلو والحامض والجيد والرديء، والضمير للزرع والباقي مقيس عليه، أو للنخل والزرع داخل في حكمه لكونه معطوفاً عليه، أو للجميع على تقدير كل ذلك أو كل واحد منها، ومختلفاً حال مقدرة لأنه لم يكن كذلك عند الإنشاء، وقرأ نافع وابن كثير بجزم الكاف، والباقون بالرفع {والزيتون والرمان متشابهاً} أي: ورقهما {وغير متشابه} أي: في طعمهما، وقيل: متشابهين في المنظر مختلفين في الطعم.
ولما ذكر الله تعالى ما أنعم به على عباده من خلق هذه الجنات المحتوية على أنواع الثمار ذكر ما هو المقصود الأصلي وهو الانتفاع بها فقال تعالى: {كلوا من ثمره} أي: كل واحد من ذلك {إذا أثمر} أي: ولو قبل نضجه وهذا أمر إباحة وأما قوله تعالى: {وآتوا حقه يوم حصاده} فالأمر فيه للوجوب والآية مدنية والحق هو الزكاة المفروضة والأمر بإتيانها يوم الحصاد ليهتم به حينئذٍ حتى لا يؤخره عن أوّل وقت يمكن فيه الإيتاء وليعلم أن الوجوب بالإدراك لا بالتنقيه، وقيل: الآية مكية والزكاة إنما فرضت بالمدينة فالحق ما كان يتصدق به على المساكين يوم الحصاد وكان ذلك واجباً حتى نسخه افتراض العشر ونصف العشر، وقرأ حمزة والكسائي برفع الثاء والميم من ثمره والباقون بنصبهما، وقرأ أبو عمرو وابن عامر وعاصم بفتح حاء حصاده والباقون بكسرها ومعناهما واحد {ولا تسرفوا} أي: بإعطاء كله فلا يبقى لعيالكم شيء.
روي أنّ ثابت بن قيس صرم خمسمائة نخلة وقسمها في يوم واحد ولم يترك لأهله شيئاً فنزلت {إنه لا يحب المسرفين} أي: المتجاوزين ما حدّ لهم، وفي ذلك وعيد وزجر عن الإسراف في كل شيء، قال مجاهد: الإسراف ما قصرت به عن حق الله تعالى وقالوا: لو كان أبو قبيس ذهباً لرجل أنفقه في طاعة الله تعالى لم يكن مسرفاً، ولو أنفق درهماً واحداً أو مداً في معصية كان مسرفاً وقوله تعالى:
{ومن الأنعام} عطف على جنات أي: وأنشأ من الأنعام {حمولة} أي: صالحة للحمل عليها كالإبل الكبار والبغال {وفرشاً} أي: تصلح للحمل كالإبل الصغار والعجاجيل والغنم سميت فرشاً لأنها كالفرش للأرض لدنوها منها، وقيل: هو ما ينسج من وبره وصوفه وشعره للفرش {كلوا مما رزقكم الله} أي: