استثناء منقطع معناه لكن إن شاء ربي شيئاً من المكروه يصيبني فيكون لأنه قادر على النفع والضر وإنما قال إبراهيم ذلك لاحتمال إنّ الإنسان قد يصيبه في بعض حالاته وأيام عمره وما يكرهه فلو أصابه مكروه نسبوه إلى الأصنام فنفى هذه الشبهة بذلك {وسع ربي كل شيء علماً} أي: أحاط علمه بكل شيء من معلومه {أفلا تتذكرون} أي: يقع منكم تذكر فتميزوا بين الحق والباطل والقادر والعاجز.
{وكيف أخاف ما أشركتم} به أي: الأصنام وهي لا تبصر ولا تسمع ولا تضر ولا تنفع {ولا تخافون} أنتم {أنكم أشركتم با} وهو تعالى حقيق بأن يخاف منه كل الخوف لأنه إشراك للمصنوع مع الصانع وتسوية بين المقدور العاجز والقادر الضارّ النافع {ما لم ينزل به} أي: بعبادته {عليكم سلطاناً} أي: حجة وبرهاناً وهو القادر على كلّ شيء {فأيّ الفريقين} أي: حزب الله وحزب ما أشركتم ولم يقل فأينا تعميمها للمغنيّ {أحق بالأمن} أهم الموحدون أو المشركون {إن كنتم تعلمون} من الأحق أي: إن كان لكم علم فأخبروني عما سألتكم عنه والأحق بذلك هم الموحدون فاتبعوهم قال تعالى قاضياً بينهما:
{الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} أي: لم يخلطوا إيمانهم بشرك.
روي أنه لما نزلت هذه الآية شق ذلك على المسلمين فقالوا: «يا رسول الله فأينا لم يظلم نفسه فقال: «ليس ذلك إنما هو الشرك ألم تسمعوا إلى ما قال لقمان لابنه: {يا بني لا تشرك با إنّ الشرك لظلم عظيم} (لقمان، 13)
» {أولئك} أي: الموصوفون بما ذكر {لهم الأمن} أي: من العذاب المؤبد {وهم مهتدون} وقوله تعالى:
k
{وتلك} مبتدأ ويبدل منه {حجتنا} وهي ما احتج به إبراهيم على قومه من قوله تعالى: {فلما جنّ عليه الليل} إلى قوله: {وهم مهتدون} أو من قوله تعالى: {أتحاجوني} إليه والخبر {آتيناها إبراهيم} أي: أرشدناه لها حجة {على قومه} ثم إنه سبحانه وتعالى لما تفضل على خليله صلى الله عليه وسلم برفعه على قومه قال تعالى: {نرفع درجات من نشاء} في العلم والحكمة، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بتنوين التاء، والباقون بغير تنوين {إنّ ربك حكيم} في صنعه فيرفع من يشاء ويخفض من يشاء {عليم} بخلقه فهو الفعال لما يريد.
{ووهبنا له} أي: إبراهيم {إسحق} أي: ابناً له {ويعقوب} أي: ابناً لإسحاق فهو ابن ابنه {كلاً} منهما ومن أبيهما {هدينا} إلى سبيل الرشاد ووفقناه إلى طريق الحق والصواب {ونوحاً هدينا} {من قبل} أي: قبل إبراهيم {ومن ذريته} أي: نوح لا إبراهيم لأنه تعالى ذكر في جملتهم يونس ولوطاً ولم يكونا من ذرّية إبراهيم، وقيل: الضمير لإبراهيم ويكون ذلك من باب التغليب فإنّ التغليب سائغ شائع في انتساب العرب {داود} وهو ابن إيشا هديناه وكان ممن آتاه الله الملك والنبوّة {وسليمان} هو ابن داود وهما اللذان بنيا بيت المقدس بأمر الله تعالى داود بخطه وتأسيسه وسليمان بإكماله وتشييده {وأيوب} هو ابن أموص بن رزاح بن روم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم {ويوسف} هو ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.
فإن قيل: لم قدم أيوب على يوسف مع أنّ يوسف أقرب منه؟ أجيب: بأنه قدمه للمناسبة بينه وبين سليمان لأنّ كلاً منهما ابتلي بأخذ كل ما في يده ثم ردّه الله تعالى إليه {وموسى} هو ابن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوى بن يعقوب {وهرون} هو أخو موسى أكبر منه بسنة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين {وكذلك} كما جزينا إبراهيم على توحيده وصبره على أذى قومه