ينجح فيهم ذلك {فلما رأى القمر بازغاً} قال لهم: هذا ربي فلما أفل أي: غاب قال: {لئن لم يهدني ربي} أي: يثبتني على الهدى لا إنه لم يكن مهتدياً والأنبياء لم يزالوا يسألون الله تعالى الثبات على الإيمان وكان إبراهيم عليه السلام يقول: وأجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام.
{فلما رأى الشمس بازغة} أي: عند طلوع النهار {قال} لهم {هذا ربي هذا أكبر} أي: من الكواكب والقمر ولم يقل هذه مع أنّ الشمس مؤنثة لأنه أراد هذا الطالع أو رده إلى المعنى وهو الضياء والنور لأنه رآه أضوأ من النجم والقمر أو ذكره لتذكير خبره {فلما أفلت} أي: غربت وقويت عليهم الحجة فلم يرجعوا {قال يا قوم إني بريء مما تشركون} أي: بالله من الأصنام والأجرام المحدثة المحتاجة إلى محدث التي تجعلونها شركاء لخالقها، والوجه الثاني: من التأويل أنه قال ذلك على وجه الاستفهام تقديره: أهذا ربي؟ كقوله تعالى: {أفائن مت فهم الخالدون} (الأنبياء، 34)
أي: أفهم الخالدون وذكره على وجه التوبيخ منكراً لفعلهم، والوجه الثالث: إنه أراد أن يستدرجهم بهذا القول ويعرّفهم خطأهم وجهلهم ومثل هذا مثل من ورد على قوم يعبدون صنماً فأظهر تعظيمه فأكرموه حتى صدروا في كثير من الأمور عن رأيه إلى أن دهمهم عدوّ فشاوروه في أمره فقال: الرأي أن ندعو هذا الصنم حتى ينكشف عنا ما أصابنا فاجتمعوا حوله يتضرعون فلما تبين لهم أنه لا ينفع ولا يدفع دعاهم إلى أن يدعوا الله تعالى فدعوه فصرف عنهم ما كانوا يجدون فأسلموا.
فإن قيل: لم احتج عليهم بالأفول دون البزوغ وكلاهما انتقال من حال إلى حال؟ أجيب: بأنّ الاحتجاج بالأفول أظهر لأنه انتقال مع خفاء واحتجاب ولما ظهر خلاف قومه واستمرّوا في شركهم وقالوا له: من تعبد أنت؟ أظهر لهم ما هو عليه من الحق بقوله:
{إني وجهت وجهي} أي: أخلصت قصدي وصرفت عبادتي {للذي فطر السموات والأرض} أي: خلقهما وابتدعهما وهو الله تعالى {حنيفاً} أي: مائلاً إلى الدين القويم عن كل دين يخالفه وأصل الحنيف الميل وهو عن طريق الضلال إلى طريق الاستقامة، وقيل: الحنيف هو الذي يستقبل الكعبة بصلاته {وما أنا من المشركين} تبرأ من الشرك الذي كان عليه قومه أي: وما أنا منكم ولا أعدّ في عدادكم بشيء أقاربكم به.
{وحاجه قومه} أي: خاصموه في التوحيد وهددوه بالأصنام أن تصيبه بسوء إن لم يرجع عن الكلام فيها {قال} لهم {أتحاجوني} أي: أتجادلونني {في الله} أي: في وحدانيته، وقرأ نافع وابن عامر بتخفيف النون وهي نون الرفع عند النحاة ونون الوقاية عند الفراء، والباقون بالتشديد {وقد} أي: والحال إنه قد {هداني} إلى توحيده ومعرفته {ولا أخاف ما تشركون به} شيئاً وذلك إن إبراهيم لما رجع إلى أبيه وصار من الشباب بحالة سقط عنه طمع الذباحين أي: ذباحي نمروذ وضمه آزر إلى نفسه وجعل آزر يصنع الأصنام ويعطيها لإبراهيم ليبيعها فيذهب بها إبراهيم وينادي من يشتري ما يضره ولا ينفعه؟ فلا يشتريها أحد فإذا بارت عليه ذهب بها إلى نهر فصوب رؤوسها وقال: اشربي استهزاء بقومه وما هم عليه حتى فشا استهزاؤه بها في قومه وأهل قريته فقالوا له: احذر الأصنام فإنا نخاف أن تمسك بخبل أو جنون بعيبك إياها فقال: إنما يكون الخوف ممن يقدر على النفع والضر وهو قوله تعالى: {إلا أن يشاء ربي شيئاً} وهذا