مجاهد: ما من أهل بيت شعر ولا مدر إلا وملك الموت يطوف بهم كل يوم مرّتين، وقرأ حمزة بعد فاء توفته بألف ممالة على التذكير والباقون بالتاء على التأنيث وسكن السين من رسلنا أبو عمرو ورفعها الباقون.
{ثم ردّوا} أي: الخلق {إلى الله} أي: إلى حكمه وجزائه {مولاهم} أي: سيدهم ومدبر أمورهم كلها {الحق} أي: الثابت الولاية وكل ولاية غير ولايته تعالى عدم {ألا له الحكم} أي: القضاء النافذ فيهم فلا حكم عليه {وهو أسرع الحاسبين} يحاسب الخلق كلهم في قدر نصف نهار من أيام الدنيا لحديث بذلك لأنه لا يحتاج إلى فكرة وروية وعقد يد فيحاسب خلقه بنفسه لا يشغله حساب بعضهم عن بعض.
{قل} يا محمد لأهل مكة {من ينجيكم من ظلمات البرّ والبحر} أي: من الخسف في البر والغرق في البحر أو من شدائدهما استعيرت الظلمة للشدّة لمشاركتهما في الهول وإبطال الأبصار فقيل: لليوم الشديد يوم مظلم ولغيره يوم ذو كواكب، وقيل: حمله على الحقيقة أولى وظلمات البر هي ما اجتمع فيه من ظلمة الليل وظلمة السحاب فيحصل من ذلك الخوف الشديد لعدم الاهتداء إلى الطريق الصواب وظلمات البحر ما اجتمع فيه من ظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة الرياح العاصفة والأمواج الهائلة فيحصل من ذلك أيضاً الخوف الشديد من الوقوع في المهالك والمقصود أنّ عند اجتماع هذه الأسباب الموجبة للخوف الشديد لا يرجع الإنسان فيها إلا إلى الله تعالى لأنه هو القادر على كشف الكروب وإزالة الشدائد وهو المراد من قوله: {تدعونه تضرّعاً} أي: علانية {وخفية} أي: سرّاً وقوله تعالى: {لئن} اللام لام القسم على إرادة القول أي: يقولون والله لئن {أنجيتنا من هذه} أي: الظلمات والشدائد {لنكونن من الشاكرين} لك على هذه النعمة، والشكر: هو معرفة النعمة مع القيام بحقها لمن أنعم بها أي: فنكون من المؤمنين، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: أنجانا، بحذف التاء وألف بعد الجيم بدل الياء ليوافق قوله تعالى: {تدعونه} وأمالها حمزة والكسائي والباقون بالتاء بعد الياء.
{قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب} أي: غمّ سوى ذلك {ثم أنتم تشركون} أي: تعودون إلى شركة الأصنام معه التي لا تضر ولا تنفع ولا توفون بالعهد وإنما وضع تشركون موضع لا تعبدون تنبيهاً على أنّ من أشرك في عبادة الله تعالى فكأنه لم يعبده {قل} لهم {هو القادر على أن يبعث} في كل وقت يريده {عليكم} في كل حالة {عذاباً من فوقكم} بإرسال الصيحة والحجارة والريح والطوفان كما فعل بقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب الفيل {أو من تحت أرجلكم} بالغرق أو الخسف كما فعل بفرعون وقارون، وعن ابن عباس ومجاهد: عذاباً من فوقكم: السلاطين الظلمة، أو من تحت أرجلكم: العبيد السوء، وقال الضحاك: من فوقكم أي: من قبل كباركم أو من تحت أرجلكم أي: من أسفل منكم {أو يلبسكم} أي: يخلطكم {شيعاً} أي: فرقاً وينشب فيكم الأهوال المختلفة بقتل بعضكم بعضاً.
روي لما نزلت هذه الآية: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم} قال صلى الله عليه وسلم «أعوذ بوجهك» {ومن تحت أرجلكم} قال: «أعوذ بوجهك» {أو يلبسكم شيعاً} {ويذيق بعضكم بأس بعض} أي: بالقتال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هذا أهون أو أيسر» .
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال: «سألت ربي طويلاً أن لا يهلك أمّتي بالغرق فأعطانيها وسألته أن لا يهلك