تعالى: {فتطردهم فتكون من الظالمين} وأجيب: بأنه صلى الله عليه وسلم ما طردهم ولا همّ به لأجل استخفاف بهم وإنما كان هذا الهم لمصلحة وهي التلطف بهؤلاء الأشراف في إدخالهم في الإسلام فكان ترجيح هذا الجانب أولى وهو اجتهاد منه صلى الله عليه وسلم فأعلمه الله تعالى أنّ تقريب هؤلاء الفقراء أولى من الهمّ بطردهم فقرّبهم منه وأدناهم والظلم في اللغة وضع الشيء في غير محله أي: فلا تهم بطردهم عنك فتضع الشيء في غير معوضه فهو من باب ترك الأفضل والأولى لا من باب ترك الواجبات.

{وكذلك فتنا} أي: ابتلينا {بعضهم ببعض} أي: الشريف بالوضيع والغني بالفقير بأن قدّمناه بالسبق للإيمان {ليقولوا} أي: الشرفاء والأغنياء {أهؤلاء} الفقراء {منّ الله عليهم من بيننا} بالهداية أي: لو كان ما هم عليه هدى ما سبقونا إليه ونحن الأكابر والرؤساء وهم المساكين والضعفاء قال الله تعالى: {أليس الله بأعلم بالشاكرين} أي: بمن يقع منهم الإيمان والشكر فيوفقه وبمن لا يقع منه فيخذله.

{وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا} وقوله تعالى: {فقل} لهم {سلام عليكم} إمّا أن يكون أمراً بتبليغ سلام الله تعالى إليهم وإمّا أن يكون أمراً بأن يبدأهم بالسلام إكراماً لهم وتطييباً لقلوبهم {كتب} أي: قضى {ربكم على نفسه الرحمة} .

روي أنها نزلت في الذين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طردهم فوصفهم الله تعالى بالإيمان بالقرآن واتباع الحجج بعدما وصفهم بالمواظبة على العبادة وأمره بأن يبدأ بالتسليم أو يبلغ سلام الله تعالى إليهم ويبشرهم بسعة رحمته وفضله بعد النهي عن طردهم إيذاناً بأنهم الجامعون لفضيلتي العلم والعمل، ومن كان كذلك ينبغي أن يقرّب ولا يطرد ويعز ولا يذل ويبشر من الله تعالى بالسلامة في الدنيا والرحمة في الآخرة، وقال عطاء: نزلت في الخلفاء الأربع وجماعة من الصحابة، وقيل: الآية على إطلاقها في كل مؤمن، وقيل: لما جاء عمر بن الخطاب واعتذر من مقالته التي تقدّمت وقال: ما أردت إلا الخير فنزلت، وقيل: إنّ قوماً جاؤوا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا أصبنا ذنوباً عظاماً فلم يردّ عليهم شيئاً فانصرفوا فنزلت {إنه من عمل منكم سوأ} أيّ سوء كان ملتبساً {بجهالة} أي: عمله وهو جاهل وفيه معنيان: أحدهما: إنه فاعل فعل الجهلة لأنّ من عمل ما يؤدّي إلى الضرر في العاقبة وهو عالم بذلك أو ظان فهو من أهل السفه والجهل لأنّ من أهل الحكمة والتدبير ومنه قول الشاعر:

*على أنها قالت عشية زرتها ... جهلت على عمد ولم تك جاهلاً*

والثاني: إنه جاهل بما يتعلق به من المكروه والمضرّة ومن حق الحكيم أن لا يقدم على شيء حتى يعلم حاله وكيفيته، وقيل: إنها نزلت في عمر رضي الله تعالى عنه حين أشار بإجابة الكفرة إلى ما سألوه ولم يعلم أنها مفسدة، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم إنه بفتح الهمزة على أنه بدل من الرحمة، والباقون بالكسر على أنه ضمير الشان {ثم تاب} أي: رجع {من بعده} أي: من بعد ارتكابه ذلك السوء {وأصلح} عمله {فإنه} أي: الله {غفور} له {رحيم} به، وقرأ ابن عامر وعاصم بفتح الهمزة على تقدير: أن المغفرة له والباقون بالكسر.

{وكذلك} أي: ومثل ذلك التفصيل الواضح وهو تفصيل أحوال الطوائف الأربع: الأولى: المطبوع على قلوبهم وهم من في آية {والذين كذبوا بآياتنا} (الأنعام، 39) والثانية:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015