ولهم فيما أنزل مندوحة عن غيره، وقرأ ابن كثير: ينزل، بسكون النون وتخفيف الزاي، والباقون بفتح النون وتشديد الزاي والمعنى واحد.

{وما من دابة في الأرض} أي: تدب على وجهها {ولا طائر بطير بجناحيه} في الهواء وهو بالمدّ ما بين السماء والأرض وهو المراد هنا وأمّا الهوى بالقصر فهوى النفس وليس مراداً وإنما قال: {بجناحيه} مع أنّ الطيران لا يكون إلا بهما قطعاً لمجاز السرعة ونحوها كما تقول: كتبت بيدي ونظرت بعيني {إلا أمم أمثالكم} أي: محفوظة أحوالها مقدّرة أرزاقها وآجالها، قال العلماء: جميع ما خلق الله تعالى لا يخرج عن هاتين الحالتين حتى ما في البحر لأنّ سيرها في الماء إمّا أن يكون دبيباً أو طيراناً مجازاً وإنما خص ما في الأرض بالذكر دون ما في السماء وإن كان ما في السماء مخلوقاً له لأنّ الاحتجاج بالمشاهد أظهر وأولى مما لا يشاهد.

واختلف العلماء في وجه هذه المماثلة فقال مجاهد: أصناف مصنفة تعرف بأسمائها مثل بني آدم يعرفون بأسمائهم يريد أنّ كل جنس من الحيوان أمة فالطير أمة والدواب أمة والسباع أمة وقال ابن قتيبة: أمم أمثالكم في الغذاء وابتغاء الرزق وتوقي المهالك. وقال عطاء: أمثالكم في التوحيد والمعرفة، وقيل غير ذلك، والمقصود من ذلك الدلالة على كمال قدرته وشمول علمه وسعة تدبيره ليكون كالدليل على أنه قادر على أن ينزل آية {ما فرّطنا} أي: ما تركنا أو ما أغفلنا {في الكتاب} أي: اللوح المحفوظ {من شيء} فلم نكتبه فإنه مشتمل على ما يجري في العالم من الجليل والدقيق ولم يهمل فيه أمر حيوان، وقيل: المراد بالكتاب القرآن فإنه قد دوّن فيه ما يحتاج إليه من أمر الدين مفصلاً ومجملاً، ومن مزيدة وشيء في موضع المصدر لا المفعول به فإن فرّط لا يتعدّى بنفسه، وقد عدّي بفي إلى الكتاب {ثم إلى ربهم يحشرون} قال ابن عباس والضحاك: حشرها موتها، وقال أبو هريرة: يحشر الله الخلق كلهم يوم القيامة الدواب والطير وكل شيء فيأخذ للجماء من القرناء، ثم يقول: كوني تراباً فحينئذٍ يتمنى الكافر ويقول: {يا ليتني كنت تراباً} (النبأ، 4) .

وروي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لتؤدّن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من القرناء» .

{والذين كذبوا بآياتنا} أي: القرآن {صم} عن سماعها سماع قبول {وبكم} عن النطق بالحق {في الظلمات} أي: في ضلالات الكفر {من يشأ الله} إضلاله {يضلله ومن يشأ} هدايته {يجعله على صراط مستقيم} هو دين الإسلام وهو دليل واضح لأهل السنة على المعتزلة في قولهم: إنهما من العبد كما مرّ.

{قل} يا محمد لأهل مكة، وقوله تعالى: {أرأيتكم} استفهام تعجيب والكاف حرف خطاب أي: أخبروني {إن أتاكم عذاب الله} أي: في الدنيا كما أتى من قبلكم من الغرق أو الخسف والمسخ والصواعق ونحو ذلك من العذاب {أو أتتكم الساعة} أي: القيامة المشتملة على العذاب {أغير الله تدعون} في كشف العذاب عنكم {إن كنتم صادقين} أنّ الأصنام آلهة وجواب الاستفهام محذوف أي: فادعوه وهو تبكيت لهم.

{بل إياه تدعون} أي: تخصونه بالدعاء كما حكى الله تعالى ذلك عنهم في موضع كما في قوله تعالى: {وإذا مس الإنسان الضرّ دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً} (يونس، 12) الآية {فيكشف ما تدعون إليه} أي: ما تدعون إلى كشفه {إن شاء} كشفه في الدنيا تفضلاً عليكم كما هو عادته معكم في وقت شدائدكم ولكنه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015