ووضع الظالمين موضع الضمير للدلالة على أنهم ظلموا في جحودهم والباء لتضمن الجحود معنى التكذيب، وقرأ نافع والكسائي: يكذبونك، بسكون الكاف وتخفيف الذال من أكذبه إذا وجده كاذباً أو نسبه للكذب، والباقون بفتح الكاف وتشديد الذال من التكذيب وهو أن ينسبه إلى الكذب وقوله تعالى:

{ولقد كذبت رسل من قبلك} تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم وهذا دليل على أن قوله: {فإنهم لا يكذبونك} ليس بنفي لتكذيبه مطلقاً وإنما هو من قولك لغلامك: ما أهانوك ولكنهم أهانوني {فصبروا على ما كذبوا} أي: على تكذيبهم لهم {وأوذوا} أي: وصبروا على إيذائهم لهم {حتى أتاهم نصرنا} بإهلاك من كذبهم فتأس بهم واصبر حتى يأتيك النصر بإهلاك من كذبك وفي ذلك إيماء بوعد النصر للصابرين {ولا مبدل لكلمات الله} أي: لمواعيده من قوله تعالى: {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين} (الصافات، 171) الآيات {ولقد جاءك من نبأ المرسلين} أي: من قصصهم وما كابدوا من قومهم مما يسكن به قلبك قيل: من مزيدة، وقيل: للتبعيض ويدل له قوله تعالى: {منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك} (غافر، 78) .

{وإن كان كبر} أي: عظم وشق {عليك إعراضهم} عنك وعن الإيمان بما جئت به {فإن استطعت أن تبتغي} أي: تطلب بجهدك وغاية طاقتك {نفقاً} أي: منفذاً {في الأرض} تنفذ فيه إلى ما عساك تقدر إلى الانتهاء إليه {أو سلماً في السماء} أي: جهة العلوّ لترتقي فيه إلى ما تقدر عليه {فتأتيهم بآية} أي: مما اقترحوه عليك فافعل لتشاهد أنهم لا يزدادون عند إتيانك بها إلا إعراضاً كما أخبرناك لأنّ الله تعالى شاء ضلال بعضهم والمقصود بهذا بيان شدّة حرصه صلى الله عليه وسلم على هدايتهم وأنه لو قدر أن يتكلف النزول إلى تحت الأرض أو فوق السماء فيأتيهم بما يؤمنون به لفعل {ولو شاء الله} هدايتهم {لجمعهم على الهدى} أي: لوفقهم له ولكن لم يشأ ذلك فلم يؤمنوا والمعتزلة أوّلوا {لو شاء الله} بأنه لو شاء لجمعهم على الهدى بأن يأتيهم بآية ملجئة ولكن لم يفعل لخروجه عن الحكمة، وجرى على هذا الزمخشريّ في كشافه.

والمعنى: أنّ أسناد مشيئة الجمع إلى الله تعالى ظاهر في أنه هو المهدي والمضل والمعتزلة لما قالوا: إنه بفعل العبد احتاجوا إلى التأويل {فلا تكونن من الجاهلين} أي: لا يشتدّ تحسرك على تكذيبهم ولا تجزع من إعراضهم عنك فتقارب حال الجاهلين الذين لا صبر لهم وإنما نهاه عن هذه الحالة وغلظ عليه الخطاب تبعيداً له عن هذه الحالة.

{إنما يستجيب} دعاءك إلى الإيمان {الذين يسمعون} سماع تفهم واعتبار كقوله تعالى: {أو ألقى السمع وهو شهيد} (ق، 37) وهم المؤمنون الذين فتح الله تعالى لهم أسماع قلوبهم فهم يسمعون الحق ويستجيبون له ويتبعونه دون من ختم الله على سمع قلبه وهو قوله: {والموتى} أي: الكفار لشبههم بهم في عدم السماع {يبعثهم الله} في الآخرة {ثم إليه يرجعون} أي: يردّون فيجازيهم بأعمالهم.

{وقالوا} أي: رؤساء قريش {لولا} أي: هلا {نزل عليه آية} مما اقترحوا {من ربه} المحسن إليه كالناقة والعصا والمائدة أو آية تضطرّهم إلى الإيمان كنتق الجبل أو آية إن جحدوها هلكوا {قل} لهم {إنّ الله قادر على أن ينزل آية} مما اقترحوه أو آية تضطرّهم إلى الإيمان أو آية إن جحدوها هلكوا لا يعجزه شيء {ولكنّ أكثرهم لا يعلمون} أي: ماذا عليهم في إنزالها من العذاب إن لم يؤمنوا بها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015