{أو جاؤكم} عطف على الصلة أي: أو الذين جاؤوكم، وقوله تعالى: {حصرت} أي: ضاقت حال بإضمار قد أي: وقد ضاقت {صدورهم أن يقاتلوكم} أي: عن قتالكم مع قومهم {أو يقاتلوا قومهم} معكم أي: ممسكين عن قتالكم وقتالهم فلا تتعرّضوا لهم بأخذ ولا قتل، وهذا وما بعده منسوخ بآية القتال.
وقرأ نافع وابن كثير وعاصم بإظهار تاء تأنيث حصرت عند الصاد وأدغمها الباقون {ولو شاء الله} تسليطهم عليكم {لسلطهم عليكم} بأن يقوّي قلوبهم ويبسط صدورهم ويزيل الرعب {فلقاتلوكم} ولكنه لم يشأه فألقى في قلوبهم الرعب {فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم} أي: بأن لم يتعرّضوا لكم {وألقوا إليكم السلم} أي: الاستسلام والانقياد {فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً} أي: طريقاً بالأخذ أو القتل.
{ستجدون} أي: عن قريب بوعد لا شك فيه {آخرين} أي: من المنافقين. روي عن ابن عباس أنه قال: هم أسد وغطفان كانوا حاضري المدينة تكلموا بالإسلام رياء وهم غير مسلمين وكان الرجل منهم يقول له قومه: بماذا أسلمت؟ فيقول: آمنت بهذا القرد وبهذا العقرب والخنفساء، وإذا لقوا أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم قالوا: إنا على دينكم يريدون بذلك الأمن من الفريقين كما قال تعالى: {يريدون أن يأمنوكم} بإظهار الإيمان عندكم {ويأمنوا قومهم} بإظهار الكفر إذا رجعوا إليهم {كلما ردّوا} أي: دعوا {إلى الفتنة} أي: الكفر {اركسوا} أي: انقلبوا منكوسين {فيها} أي: الفتنة أقبح قلب {فإن لم يعزلوكم} أي: بترك قتالكم {ويلقوا} أي: ولم يلقوا {إليكم السلم ويكفوا} أي: ولم يكفوا {أيديهم} عن قتالكم {فخذوهم} أي: بالأسر {واقتلوهم حيث ثقفتموهم} أي: وجدتموهم {وأولئكم} أي: أهل هذه الصفة {جعلنا لكم عليهم سلطاناً مبيناً} أي: حجة واضحة في التعرّض لهم بالقتل والسبي لظهور عداوتهم ووضوح كفرهم.
{وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً} أي: ما ينبغي أن يصدر منه قتل له بغير حق {إلا خطأ} أي: مخطئاً في قتله من غير قصد، نزلت في عياش بن ربيعة، وذلك إنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة وأسلم ثم خاف أن يظهر الإسلام لأهله فخرج هارباً إلى المدينة وتحصن في أطم من آطامها فجزعت أمّه لذلك جزعاً شديداً وقالت لإبنيها الحارث وأبي جهل ابني هشام وهما أخواه لأمّه: والله لا يظلني سقف ولا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى تأتيا به، فخرجا في طلبه وخرج معهما الحارث بن زيد حتى أتوا المدينة فأتوا عياشاً وهو في الأطم وقالوا له: انزل فإنّ أمّك لم يأوها سقف بيت بعدك وقد حلفت أن لا تأكل طعاماً ولا تشرب شراباً حتى ترجع إليها ولك والله علينا عهد أن لا نكرهك على شيء ولا نحول بينك وبين دينك، فلما ذكروا له ذلك أي: جزع أمّه وأوثقوا بالله نزل إليهم فأخرجوه من المدينة ثم أوثقوه وجلده كل واحد منهم مئة جلدة ثم قدموا به إلى أمّه فلما أتاها قالت له: والله لا أحلك من وثاقك حتى تكفر بالذي آمنت به، ثم تركوه موثوقاً مطروحاً في الشمس ما شاء الله فأعطاهم الذي أرادوا فأتاه الحارث بن زيد فقال: يا عياش أهذا الذي أنت عليه؟ فوالله لئن كان هدى لقد تركت الهدى ولئن كان ضلالة لقد كنت عليها فغضب عياش من مقالته وقال: والله لا ألقاك خالياً أبداً إلا قتلتك، ثم إنّ عياشاً بعد ذلك أسلم وهاجر، ثم أسلم الحارث بن زيد بعده، وهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عياش حاضراً يومئذٍ ولم يشعر بإسلامه فبينما عياش بظهر قباء إذ لقي الحارث، فقتله، فقال