سراعاً} (المعارج، 43)
وقيل: لقيامهم إلى الحساب قال تعالى: {يوم يقوم الناس لرب العالمين} (المطففين، 6)
{لا ريب} أي: لا شك {فيه} أي: في ذلك اليوم أو في الجمع {ومن أصدق من الله حديثاً} أي: قولاً.
فإن قيل: الصدق لا يتفاوت كالعلم إذ لا يقال: هذا الصدق أصدق من هذا الصدق كما لا يقال: هذا العلم أعلم من هذا المعلم، أجيب: بأنّ الصدق صفة للقائل لا صفة للحديث أي: لا أحد غير الله أصدق منه؛ لأنّ غيره يتطرّق إلى خبره الكذب، وذلك مستحيل في حقه تعالى، والأنبياء مخبرون عن الله تعالى، وقرأ حمزة والكسائيّ بإشمام الصاد أي: بحرف متولد بين الصاد والزاي {فما لكم} أي: فما شأنكم صرتم {في المنافقين} أي: في أمرهم {فئتين} أي: فرقتين ولم تتفقوا على كفرهم وذلك أن ناساً منهم استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى البدو لاجتواء المدينة فلما خرجوا لم يزالوا راحلين مرحلة مرحلة حتى لحقوا المشركين، فاختلف المسلمون في إسلامهم، وقال مجاهد: هم قوم خرجوا إلى المدينة وأسلموا، ثم استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى مكة ليأتوا ببضائع لهم يتجرون فيها فخرجوا وأقاموا بمكة، واختلف المسلمون فيهم فقائل يقول: هم منافقون، وقائل يقول: هم مؤمنون، وقال قوم: في الذين تخلفوا يوم أحد من المنافقين، فلما رجعوا قال بعض الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم اقتلهم فإنهم منافقون، وقال بعضهم: اعف عنهم فإنهم تكلموا بالإسلام.
{وا أركسهم} أي: نكسهم بأن صيرهم إلى النار أو ردّهم إلى حكم الكفرة {بما كسبوا} من الكفر والمعاصي {أتريدون أن تهدوا من أضلّ الله} أي: أتعدّونهم من جملة المهتدين والاستفهام في الموضعين للإنكار {ومن يضلل الله} أي: ومن يضله الله {فلن تجد له سبيلاً} أي: طريقاً إلى الهدى.
{ودّوا} أي: تمنوا {لو تكفرون كما كفروا فتكونون} أنتم وهم {سواء} في الكفر.
تنبيه: قوله تعالى: {فتكونون} لم يرد به جواب التمني؛ لأنّ جوابه بالفاء منصوب وإنما أراد النسق أي: ودّوا لو تكفرون وودّوا لو تكونون سواء مثل قوله: {ودّوا لو تدهن فيدهنون} (القلم، 9)
أي: ودّوا لو تدهن وودّوا لو يدهنون {فلا تتخذوا منهم أولياء} أي: فلا توالوهم وإن أظهروا الإيمان {حتى يهاجروا في سبيل الله} معكم هجرة صحيحة تحقق إيمانهم، قال عكرمة: هي هجرة أخرى، والهجرة على ثلاثة أوجه: هجرة المؤمنين في أوّل الإسلام وهي قوله تعالى: {للفقراء المهاجرين} وقوله تعالى: {ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله} (النساء، 100)
ونحوهما من الآيات، وهجرة المنافقين وهي خروج الشخص مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صابراً محتسباً لا لأغراض الدنيا وهي المرادة ههنا، وهجرة عن جميع المعاصي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «المهاجر من هجر ما نهى الله عنه» {فإن تولوا} أي: أعرضوا عن التوحيد والهجرة وأقاموا على ما هم عليه {فخذوهم} أي: بالأسر {واقتلوهم حيث وجدتموهم} أي: في حلّ أو في حرم كسائر الكفرة {ولا تتخذوا منهم ولياً} توالونه {ولا نصيراً} تنتصرون به على عدوّكم أي: بل جانبوهم مجانبة كلية، وقوله تعالى: {إلا الذين يصلون} استثناء من قوله: {فخذوهم واقتلوهم} أي: إلا الذين يصلون أي: ينتهون {إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق} أي: عهد بالأمان لهم ولمن وصل إليهم كما عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم وقت خروجه إلى مكة هلال بن عمير الأسلمي على أن لا يعينه ولا يعين عليه، ومن لجأ إليه فله من الجوار مثل ما له، وقوله تعالى: