الفداء من الأسارى، وقد أمرك أن تخيرهم بين أن يقدّموا ـ أي: الأسارى ـ فتضرب أعناقهم وبين أن يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم عددهم، فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس فقالوا: يا رسول الله عشائرنا وإخواننا لا بل نأخذ منهم فداهم فنتقوّى به على قتال أعدائنا ويستشهد منا عدّتهم، فقتل منهم يوم أحد سبعون عدد أسارى بدر» وهذا معنى قوله: {قل هو من عند أنفسكم} أي: بأخذكم الفداء واختياركم للقتل {إنّ الله على كل شيء قدير} فيقدر على النصر وعلى منعه وعلى أن يصيب بكم تارة ويصيب منكم أخرى.
{وما أصابكم يوم التقى الجمعان} أي: جمع المسلمين وجمع المشركين يوم أحد من القتل والجرح والهزيمة {فبإذن الله} أي: فهو كائن بقضائه وإرادته ودخلت الفاء في الخبر لشبه المبتدأ بالشرط نحو الذي يأتيني فله درهم {وليعلم المؤمنين} وقد تقدّم أنّ معنى وليعلم الله كذا أي: يميز أو يظهر للناس ما كان في علمه.
{وليعلم الذين نافقوا} قال الواحدي: يقال نافق الرجل فهو منافق إذا أظهر كلمة الإيمان وأضمر خلافها. قال أبو عبيدة: مشتق من نافقاء اليربوع؛ لأنّ جحر اليربوع له بابان القاصعاء والنافقاء فإن طلب من أيهما كان يخرج من الآخر فقيل للمنافق: إنه منافق وهم اسم إسلامي؛ لأنه صنع لنفسه طريقين إظهار الإسلام وإضمار الكفر فمن أيهما طلب خرج من الآخر وقوله تعالى: {وقيل لهم} عطف على نافقوا أي: وليعلم الذين قيل لهم لما انصرفوا عن القتال وقالوا: لم نلقي أنفسنا في القتل فرجعوا، وهم عبد الله بن أبي وأصحابه وكانوا ثلاثمائة من جملة الألف الذين خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم {تعالوا قاتلوا في سبيل الله} الكفار {أو ادفعوا} عنا أي: إن كان في قلبكم حب الإيمان فقاتلوا للدين، وإن لم تكونوا كذلك فقاتلوا دفعاً عن أنفسكم وأهليكم وأموالكم، وقال السدي وابن جريج: ادفعوا عنا العدوّ بتكثير سوادنا إن لم تقاتلوا معنا؛ لأنّ الكثرة أحد أسباب الهيبة.
روي عن سهل بن سعد الساعدي وقد كف بصره: لو أمكنني لبعت داري ولحقت بثغر من ثغور المسلمين فكنت بينهم وبين عدوّهم قيل: وكيف وقد ذهب بصرك؟ قال: لقوله تعالى: {أو ادفعوا} أراد أكثروا سوادهم واختلفوا في القائل فقال الأصم: إنه الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعوهم إلى القتال وقيل: أبو جابر الأنصاري قال لهم: أذكركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم عند حضور العدوّ {قالوا لو نعلم} أي: نحسن {قتالاً لاتبعناكم} فيه قال تعالى تكذيباً لهم: {هم للكفر يومئذٍ} أي: يوم إذ قالوا لو نعلم قتالاً لاتبعناكم {أقرب منهم للإيمان} أي: لانقطاعهم وارتدادهم وكلامهم، فإنّ ذلك أوّل إمارات ظهرت منهم مؤذنة بكفرهم. وقيل: المعنى على حذف مضاف أي: هم لأهل الكفر أقرب منهم لأهل الإيمان بما أظهروه من خذلانهم للمؤمنين وكانوا قبل أقرب إلى الإيمان من حيث الظاهر.
تنبيه: فضلوا هنا على أنفسهم باعتبار حالين ووقتين، ولولا ذلك لم يجز تقول زيد قاعداً أفضل منه قائماً أو زيد قاعداً اليوم أفضل منه قاعداً غداً ولو قلت: زيد اليوم قاعداً أفضل منه اليوم قاعداً لم يجز {يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم} أي: يظهرون خلاف ما يضمرون لا تواطىء قلوبهم ألسنتهم بالإيمان فهم وإن كانوا يظهرون الإيمان باللسان لكنهم يضمرون في قلوبهم الكفر.
تنبيه: