بهم، فلم ينفعهم بل جاء الأسد فتشمم الناس حتى وصل إليه فاقتلع رأسه» وإنما كان الولد من الكسب لقوله صلى الله عليه وسلم «أطيب ما يأكل أحدكم من كسبه، وإنّ ولده من كسبه» .
تنبيه: ما في {ما أغنى} يجوز فيها النفي والاستفهام فعلى الاستفهام، تكون منصوبة المحل بما بعدها التقدير: أي شيء أغنى المال وقدم لكونه له صدر الكلام، ويجوز في ما في قوله تعالى: {وما كسب} أن تكون بمعنى الذي فالعائد محذوف، وأن تكون مصدرية، أي: وكسبه وأغنى بمعنى يغني. ثم أوعده سبحانه بالنار فقال تعالى:
{سيصلى} أي: عن قريب بوعد لا خلف فيه {ناراً} يندس فيها وتنعطف عليه وتحيط به {ذات لهب} ، أي: لا تسكن ولا تخمد أيداً لأنّ ذلك مدلول الصحبة المعبر عنها بذات وذلك بعد موته.
ولما أخبر تعالى عنه بكمال التباب الذي هو نهاية الخسار زاده تحقيراً بذكر من يصونها بأزرى صورة وأشنعها بقوله تعالى:
{وامرأته} وهو عطف على ضمير يصلى سوغه الفصل بالمفعول وصفته، وهي أمّ جميل وهي أخت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، مثل زوجها في التباب والصليّ من غير أن يغني عنها شيء من مال ولا حسب ولا نسب، وعدل عن ذكرها لأنّ صفتها القباحة وهي ضدّ كنيتها. قال البقاعي: ومن هنا يؤخذ كراهة التلقيب بناصر الدين ونحوها لمن ليس متصفاً بما دل عليه لقبه. وقوله تعالى: {حمالة الحطب} فيه وجهان:
أحدهما: هو حقيقة. قال قتادة: وكانت تعير النبيّ صلى الله عليه وسلم بالفقر، ثم كانت مع كثرة مالها تحمل الحطب على ظهرها لشدّة بخلها فعيرت بالبخل، وقال ابن زيد: كانت تحمل العضاه والشوك تلقيه في الليل في طريق النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يطؤه كما يطأ الحرير، وقال برّة الهمداني: كانت أمّ جميل تأتي في كل يوم بإبالة من الحسك فتطرحها في طريق المسلمين فبينما هي ذات ليلة حاملة حزمة عييت فقعدت على حجر تستريح فجذبها الملك من خلفها فأهلكها.
الوجه الثاني: أنّ ذلك مجاز عن المشي بالتسمية ورمي الفتن بين الناس، ويقال للمشاء بين الناس بالنمائم المفسد بين الناس يحمل الحطب منهم، أي: يوقد بينهم ويثير الشر قال الشاعر:
*من البيض لم تصطد على ظهر لأمة ... ولم تمش بين الناس بالحطب الرطب*
جعله رطباً ليدلّ على التدخين الذي هو زيادة في الشرّ. وقال سعيد بن جبير: حمالة الخطايا والذنوب من قولهم: فلان يحتطب على ظهره قال تعالى: {يحملون أوزارهم على ظهورهم} (الأنعام: 31)
وقرأ عاصم بنصب التاء من حمالة على الشتم، قال الزمخشري: وأنا أستحب هذه القراءة، وقد توسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب شتم أمّ جميل اه. والباقون برفعها على أنها صفة امرأته فإنها مرفوعة باتفاق إما بالعطف على الضمير في سيصلى كما مرّ، ويكون قوله تعالى:
{في جيدها حبل} حالاً من امرأته، أو على الابتداء ففي جيدها حبل هو الخبر وحبل فاعل به، ويجوز أن يكون في جيدها خبراً مقدّماً وحبل مبتدأ مؤخراً، والجملة حالية أو خبر ثان. والجيد العنق ويجمع على أجياد.
وقوله تعالى: {من مسد} صفة لحبل والمسد ليف المقل، وقيل: الليف مطلقاً، وقال أبو عبيد: هو حبل يكون من صوف، وقال الحسن: هي حبال من شجر ينبت باليمن يسمى المسدد، وكانت تفتله.