هو حصن القلب، فإذا وجد مسلكاً أغار فيه وثبت جنده فيه وبث فيه الهموم والغموم والحرص فيضيق القلب حينئذ ولا يجد للطاعة لذة ولا للإسلام حلاوة، فإذا طرد العدوّ في الابتداء حصل الأمن وانشرح الصدر. فإن قيل: لم قال تعالى: {ألم نشرح لك صدرك} ولم يقل: ألم نشرح صدرك؟ أجيب: بوجهين:

أحدهما: كأنه تعالى يقول لام بلام فأنت إنما تفعل جميع الطاعة لأجلي، وأنا أيضاً جميع ما أفعله لأجلك.

ثانيهما: أنّ فيه تنبيهاً على أنّ منافع الرسالة عائدة إليك لأجلك لا لأجلنا.

واختلف في قوله تعالى: {ووضعنا} ، أي: بما لنا من العظمة {عنك وزرك} فقال الحسن ومجاهد: حططنا عنك الذي سلف منك في الجاهلية وهو قوله تعالى: {ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخر} (الفتح: 2)

وقال الحسين بن الفضل: يعني الخطأ والسهو. وقيل: ذنوب أمتك، وأضافها إليه لاشتغال قلبه بها.

{الذي أنقض} ، أي: أثقل {ظهرك} قال أبو عبيدة: خففنا عنك أعباء النبوّة والقيام بها حتى لا تثقل عليك وقيل: كان في الابتداء يثقل عليه الوحي حتى يكاد يرمي نفسه من شاهق إلى أن جاءه جبريل عليه السلام، وأزال عنه ما كان يخاف من تغير العقل وقيل: عصمناك من احتمال الوزر، وحفظناك قبل النبوّة في الأربعين من الأدناس، حتى نزل عليك الوحي وأنت مطهر.

{ورفعنا} ، أي: بما لنا من القدرة التامّة {لك ذكرك} روى الضحاك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: يقول الله عز وجل: لا ذكرت إلا ذكرت معي في الأذان والإقامة والتشهد، ويوم الجمعة على المنابر، ويوم الفطر، ويوم الأضحى، ويوم عرفة، وأيام التشريق، وعند الجمار، وعلى الصفا والمروة، وفي خطبة النكاح، ومشارق الأرض ومغاربها.

ولو أنّ رجلاً عبد الله تعالى، وصدّق بالجنة والنار، وكل شيء ولم يشهد أنّ محمداً رسول الله لم ينتفع بشيء، وكان كافراً وقيل: أعلينا ذكرك فذكرناك في الكتب المنزلة على الأنبياء قبلك، وأمرناهم بالبشارة بك ولا دين إلا ودينك يظهر عليه.

وقيل: رفعنا ذكرك عند الملائكة في السماء وفي الأرض عند المؤمنين، ونرفع في الآخرة ذكرك بما نعطيك من المقام المحمود وكرائم الدرجات. وقال الضحاك: لا تقبل صلاة إلا به، ولا تجوز خطبة إلا به. وقال مجاهد: يعني التأذين. وفيه يقول حسان بن ثابت:

*أغرّ عليه للنبوّة خاتم ... من الله مشهور يلوح ويشهد*

*وضم الإله اسم النبيّ إلى اسمه ... إذا قال في الخمس المؤذن أشهد*

*وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد*

وقيل: رفع ذكره بأخذ ميثاقه على النبيين وإلزامهم الإيمان به والإقرار بفضله. وقيل: عام في كل ما ذكر، وهذا أولى وكم من موضع في القرآن يذكر فيه النبيّ صلى الله عليه وسلم من ذلك قوله تعالى: {والله ورسوله أحق أن يرضوه} (التوبة: 62)

. وقوله تعالى: {ومن يطيع الله ورسوله فقد فاز} (الأحزاب: 71)

. وقوله تعالى: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول} (المائدة: 92)

ولما كان المشركون يعيرونه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالفقر والضيقة حتى سبق إلى وهمه أنهم رغبوا عن الإسلام لافتقار أهله واحتقارهم، ذكره ما أنعم الله به عليه من جلائل النعم، ثم وعده اليسر والرخاء بعد الشدّة فقال تعالى:

{فإن مع العسر} ، أي: ضيق الصدر والوزر المنقض للظهر وضلال القوم وإيذائهم {يسراً} ، أي: كالشرح والوضع والتوفيق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015