النعمة هي أن وفقك الله سبحانه وتعالى فراعيت حق اليتيم والسائل فحدّث بها ليقتدي بك غيرك. وعن الحسن بن علي قال: إذا عملت خيراً فحدّث به إخوانك ليقتدوا بك إلا أن هذا لا يحسن إلا إذا لم يتضمن رياء وظن أنّ غيره يقتدي به كما علم مما مرّ. وروي «أنّ شخصاً كان جالساً عند النبيّ صلى الله عليه وسلم فرآه رث الثياب فقال له صلى الله عليه وسلم ألك مال؟ قال: نعم. فقال له صلى الله عليه وسلم إذا آتاك الله مالاً فلير أثره عليك» . وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الله جميل يحب الجمال» ويحب أن يرى أثر النعمة على عبده» . فإن قيل: ما الحكمة في أن الله تعالى أخر حق نفسه عن حق اليتيم والسائل؟ أجيب: بكأنه يقول: أنا أغنى الأغنياء وهما محتاجان، وحق المحتاج أولى بالتقديم وأختار قوله سبحانه وتعالى: فحدث على قوله تعالى فأخبر ليكون ذلك حديثاً عنه لا ينساه ويعيده مرّة بعد أخرى.
وقرأ {والضحى} ، {سجى} ، {قلى} ، {الأولى} ، {فترضى} ، {فآوى} ، {فهدى} ، {فأغنى} ، حمزة والكسائيّ بإمالة محضة لكن حمزة لم يمل سجى، وأمال ورش وأبو عمرو بين بين والفتح عن ورش قليل، والباقون بالفتح.
وروى أبيّ بن كعب «أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بلغ الضحى كبر بين كل سورتين إلى أن يختم القرآن، ويفصل بينهما بسكتة» . وكان المعنى: في ذلك «أنّ الوحي تأخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أياماً فقال ناس من المشركين: قد ودعه صاحبه وقلاه فنزلت هذه السورة فقال صلى الله عليه وسلم الله أكبر» . قال مجاهد: قرأت على ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فأمرني به، وأخبر أنه صلى الله عليه وسلم أمره به. وبعض القرّاء لا يكبر لأنّ ذلك ذريعة إلى الزيادة في القرآن.
وقال القرطبي: القرآن ثبت نقله بالتواتر سوره وآياته وحروفه بغير زيادة ولا نقصان فالتكبير ليس بقرآن. وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري: إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ سورة والضحى جعله الله فيمن يرضى لمحمد أن يشفع له وعشر حسنات يكتبها الله له بعدد كل يتيم وسائل» حديث موضوع.
سورة ألم نشرح مكية
وهي ثمان آيات وتسع وعشرون كلمة ومائة وثلاثة أحرف.
{بسم الله} الظاهر الباطن الملك العلام {الرحمن} الذي عمّ المخلوقين بالإنعام {الرحيم} الذي خص أولياءه بدار السلام.
وقوله تعالى: {ألم نشرح} استفهام تقرير، أي: شرحنا بما يليق بعظمتنا {لك} يا أشرف الخلق {صدرك} بالنبوّة وغيرها حتى وسع مناجاتنا ودعوة الخلق، أو فسحناه بما أودعنا فيه من الحكم والعلوم وأزلنا عنه الضيق والحرج الذي كان يكون معه العمى والجهل. وعن الحسن: ملىء حكمة وعلماً.
وقيل: إنه إشارة إلى ما روي أنّ جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم في صباه أو في يوم الميثاق فاستخرج قلبه فغسله ثم ملأه إيماناً وعلماً.
فإن قيل: لم قال تعالى صدرك ولم يقل قلبك؟ أجيب: بأن محل الوسوسة هو الصدر كما قال تعالى: {يوسوس في صدور الناس} (الناس: 5) { {
وأبدلها بدواعي الخير فلذلك خص الشرح بالصدر دون القلب. وقال محمد بن علي الترمذي: القلب محل العقل والمعرفة، والشيطان يجيء إلى الصدر الذي