الاستعارة لأن السوط عندهم غاية العذاب. وقال الفراء: هي كلمة تقولها العرب لكل نوع من أنواع العذاب، وأصل ذلك أنّ السوط هو عذابهم الذي يعذبون به فجرى إلى كلّ عذاب إذا كان فيه غاية العذاب. وقال الزجاج: جعل سوطهم الذي ضربهم به العذاب.
وعن الحسن أنه كان إذا أتى على هذه الآية قال: إنّ الله تعالى عنده أسواط كثيرة فأخذهم بسوط منها. وقال قتادة: كل شيء عذب الله تعالى به فهو سوط، وشبه بصب السوط الذي يتواتر على المضروب فيهلكه.
{إنّ ربك} ، أي: المحسن إليك بالرسالة {لبالمرصاد} ، أي: يرصد أعمال العباد لا يفوته منها شيء ليجازيهم عليها والمرصاد المكان الذي يترقب فيه الرصد، مفعال من رصده كالميقات من وقته، وهذا مثل لإرصاد العصاة بالعقاب وأنهم لا يفوتونه. وعن بعض العرب أنه قيل: له: أين ربك؟ فقال: بالمرصاد. وعن عمرو بن عبيد أنه قرأ هذه السورة عند المنصور حتى بلغ هذه فقال: {إنّ ربك لبالمرصاد} يا أبا جعفر عرّض له في هذا النداء بأنه بعض من توعده بذلك من الجبابرة. قال الزمخشري: فلله دره، أي: أسد فراس كان بين ثوبيه يدق الظلمة بإنكاره ويقصع أهل الأهواء والبدع باحتجاجه.
وقوله تعالى: {فأما الإنسان} متصل بقوله تعالى: {إنّ ربك لبالمرصاد} فكأنه قيل: إنّ الله تعالى يريد من الإنسان الطاعة والسعي للعاقبة، وهو لا يهمه إلا العاجلة وما يلذه وينعمه فيها {إذا ما ابتلاه} ، أي: اختبره بالنعمة {ربه} ، أي: الذي أبدعه وأحسن إليه بما يحفظ وجوده ليظهر شكره أو كفره {فأكرمه} ، أي: جعله عزيزاً بين الناس وأعطاه ما يكرمونه به من الجاه والمال {ونعمه} ، أي: جعله متلذذاً مترفهاً بما وسع الله تعالى عليه.
وقوله تعالى: {فيقول} ، أي: سروراً بذلك افتخاراً {ربي أكرمن} ، أي: فضلني بما أعطاني خبر المبتدأ الذي هو الإنسان، ودخول الفاء لما في أمّا من معنى الشرط، والظرف المتوسط بين المبتدأ والخبر في تقدير التأخير، كأنه قيل: فأما الإنسان فقائل ربي أكرمن وقت الابتداء بالأنعام فيظن أنّ ذلك عن استحقاق فيرتفع به.
وكذا قوله تعالى: {وأما إذا ما ابتلاه فقدر} ، أي: ضيق {عليه رزقه} التقدير وأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه، أي: بالفقر ليوازي قسيمه {فيقول} ، أي: الإنسان بسبب الضيق {ربي أهانن} فيهتم لذلك ويضيق به ذرعاً ويكون أكبر همه، وهذا في حق الكافر لقصور نظره وسوء فكره فيرى الكرامة والهوان بكثرة الحظ في الدنيا وقلته.Y { {
وقال الكلبي ومقاتل: نزلت في أمية بن خلف الجمحي الكافر. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: في عتبة بن ربيعة. وقيل: أبي بن خلف. فإن قيل: كيف سمى كلا الأمرين من بسط الرزق وتقتيره ابتلاء؟ أجيب: بأن كل واحد منهما اختبار للعبد، فإذا بسط له فقد اختبر حاله أيشكر أم يكفر، وإذا قدر عليه فقد اختبر حاله أيصبر أم يجزع فالحكمة فيهما واحدة، ونحوه قوله تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} (الأنبياء: 35)
. فإن قيل: هلا قال فأهانه وقدر عليه رزقه كما قال فأكرمه ونعمه؟ أجيب: بأن البسط إكرام من الله تعالى لعبده بإنعامه عليه متفضلاً من غير سابقة، وأما التقتير فليس بإهانة له لأنّ الإخلال بالتفضل لا يكون إهانة ولكن تركاً للكرامة، وقد يكون المولى مكرماً ومهيناً وغير مكرم ولا مهين. وإذا أهدى لك زيد هدية قلت: أكرمني بالهدية، ولا تقول أهانني ولا أكرمني إذا لم يهد إليك. فإن