أخرجت سرائره. وأعرق في النفي والتعميم فقال تعالى: {من قوة} أي: منعة في نفسه يمتنع بها {ولا ناصر} أي: ينصره من عذاب الله تعالى فيدفعه عنه. ثم ذكر تعالى قسماً آخر فقال تعالى:
{والسماء} أي: التي تقدّم الإقسام بها، وَصَفَها بما يؤكد العلم بالبعث فقال تعالى: {ذات الرجع} أي: التي ترجع بالدوران إلى الموضع الذي تتحرك عنه فترجع الأحوال التي كانت، وتصرّمت من الليل والنهار والشمس والقمر والكواكب، والفصول من الشتاء وما فيه من برد ومطر، والصيف وما فيه من حرّ وصفاء وسكون، وغير ذلك. وقيل: ذات النفع. وقيل: ذات الملائكة لرجوعهم فيهم بأعمال العبادة. وقيل: ذات المطر لعوده كل حين، أو لما قيل: من أن السحاب تحمل الماء من البحار، ثم ترجعه إلى الأرض، وعلى هذا يجوز أن يراد بالسماء السحاب.
{والأرض} أي: مسكنكم الذي أنتم ملابسوه ومعاينوه كل وقت. {ذات الصدع} أي: تنصدع عن النبات والشجر والثمار والأنهار والعيون، نظيره: قوله تعالى: {ثم شققنا شقاً} (عبس: 26)
الآية والصدع بمعنى الشق لأنه يصدع الأرض فتنصدع، به فكأنما قال تعالى: والأرض ذات النبات. وقال مجاهد: ذات الطرق التي تصدعها المشاة، وقيل: ذات الحرث لأنه يصدعها، وقيل: ذات الأموات لإصداعهم عنها للنشور. قال الرازي: واعلم أنه تعالى كما جعل كيفية خلقة الحيوان دليلاً على معرفة المبدأ والمعاد، ذكر في هذا القسم كيفية خلقة النبات فقوله تعالى: {والسماء ذات الرجع} كالأب، وقوله تعالى: {والأرض ذات الصدع} كالأمّ وكلاهما من النعم العظام، لأنّ نعم الدنيا موقوفةٌ على ما ينزل من السماء مكرّراً، وعلى ما ينبت من الأرض كذلك.
ثم أردف هذا القسم بالمقسم عليه وهو قوله تعالى:
{إنه لقول فصل} وفي هذا الضمير قولان أحدهما: ما قاله القفال: وهو أن المعنى: أنّ ما أخبرتكم به من قدرتي على إحيائكم يوم تبلى السرائر قول فصل وحق. والثاني: أنه عائد على القرآن، أي: القرآن فاصل بين الحق والباطل كما قيل له: فرقان. قال الرازي: والأوّل أولى؛ لأنّ عود الضمير إلى المذكور السالف أولى انتهى. وأكثر المفسرين على الثاني.
والفصل: الحكم الذي ينفصل به الحق من الباطل، ومنه فصل الخصومات وهو قطعها بالحكم الجزم. ويقال: هذا قول فصل قاطع للشرّ والنزاع معناه جدّ؛ لقوله تعالى:
{وما هو} أي: في باطنه ولا ظاهره {بالهزل} أي: باللعب والباطل بل هو جدّ كله لا هوادة فيه: ومن حقه وقد وصفه الله تعالى بذلك أن يكون مهيباً في الصدور، معظماً في القلوب، يترفع به قارئه وسامعه أن يلم بهزل أو يتفكه بمزاح، وأن يلقي ذهنه إلى أنّ جبار السموات والأرض يخاطبه فيأمره وينهاه، ويعده ويوعده حتى إن لم يستفزه الخوف، ولم تتبالغ فيه الخشية، فأدنى أمره أن يكون جاداً غير هازل، فقد نفى الله تعالى عن المشركين ذلك في قوله تعالى: {وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون} (النجم: 61)
{والغوا فيه} (فصلت: 26)
هذا على عود الضمير للقرآن، وعلى جعله للأوّل فيكون الشخص خائفاً وجلاً من ذلك الذي تبلى فيه السرائر.
{إنهم} أي: الكفار أعداء الله تعالى {يكيدون كيداً} أي: يمكرون بمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه. واختلف في ذلك الكيد، فقيل: إلقاء الشبهات كقولهم {إن هي إلا حياتنا الدنيا} (الأنعام: 29)
{من يحيي العظام وهي رميم} (يس: 78)
{أجعل الآلهة إلهاً واحداً} (ص: 5)
وما أشبه ذلك وقيل: قصدهم قتله لقوله تعالى: {وإذ يمكر بك الذين كفروا} (الأنفال: 30)