الصور، ومحله النصب على الحال إن علق بمحذوف، ويجوز أن يتعلق بعدلك ويكون في أي معنى التعجب، أي: فعدلك في صورة عجيبة: ثم قال: {ما شاء ركبك} من التراكيب يعني: تركيباً حسناً.
وقوله تعالى: {كلا} ردع عن الاغترار بكرم الله تعالى والتعلق به، وهو موجب الشكر والطاعة إلى عكسهما الذي هو الكفر والمعصية. وقوله تعالى: {بل تكذبون} أي: يا كفار مكة {بالدين} إضراب إلى ما هو السبب الأصلي في اغترارهم والمراد بالدين الجزاء على الأعمال والإسلام.
{وإنّ} أي: والحال أنّ {عليكم} أي: ممن أقمناهم من جندنا من الملائكة {لحافظين} أي: على أعمالكم بحيث لا يخفى عليهم منها جليل ولا حقير.
{كراماً} أي: على الله تعالى {كاتبين} أي: لهذه الأعمال في الصحف كما تكتب الشهود منكم العهود ليقع الجزاء على غاية التحرير.
تنبيه: هذا الخطاب وإن كان خطاب مشافهة إلا أنّ الأمّة أجمعت على عموم هذا الخطاب في حق المكلفين، وقوله تعالى: {حافظين} جمع يحتمل أن يكونوا حافظين لجميع بني آدم من غير أن يختص واحد من الملائكة بواحد من بني آدم، ويحتمل أن يكون الموكل بكل واحد منهم غير الموكل بالآخر، ويحتمل أن يكون الموكل بكل واحد منهم جمعاً من الملائكة، كما قيل: اثنان بالليل واثنان بالنهار، أو كما قيل: إنهم خمسة.
واختلفوا في الكفار هل عليهم حفظة. فقيل: لا لأنّ أمرهم ظاهر وعملهم واحد، قال تعالى: {يعرف المجرمون بسيماهم} (الرحمن: 41)
وقيل: عليهم حفظة وهو ظاهر قوله تعالى: {بل تكذبون بالدين وإن عليكم لحافظين} وقوله تعالى: {وأمّا من أوتي كتابه بشماله} (الحاقة: 25)
وقوله تعالى: {وأمّا من أوتي كتابه وراء ظهره} (الانشقاق: 10)
فأخبر أنّ لهم كتاباً وأنّ عليهم حفظة.
فإن قيل فأي شيء يكتب الذي عن يمينه ولا حسنة له؟ أجيب: بأنّ الذي عن شماله يكتب بإذن صاحبه ويكون صاحبه شاهداً على ذلك وإن لم يكتب. وفي هذه الآية دلالة على أنّ الشاهد لا يشهد إلا بعد العلم لوصف الملائكة بكونهم حافظين كراماً كاتبين.
{يعلمون} أي: على التجدد والاستمرار {ما تفعلون} فدل على أنهم يكونون عالمين بها حتى إنهم يكتبونها، فإذا كتبوها يكونون عالمين عند أداء الشهادة، وفي تعظيم الكتبة تعظيم لأمر الجزاء، فإنه عند الله من جلائل الأمور، ولولا ذلك لما وكل بضبط ما يحاسب عليه وفيه إنذار وتهويل للعصاة، ولطف بالمؤمنين. وعن الفضيل أنه كان إذا قرأها قال: ما أشدها من آية على الغافلين.
ولما وصف تعالى الكرام الكاتبين لأعمال العباد ذكر أحوال العاملين، وقسمهم قسمين، وبدأ بقسم أهل السعادة.
فقال تعالى: {إنّ الأبرار} أي: المؤمنين الصادقين في إيمانهم بأداء فرائض الله تعالى واجتناب معاصيه {لفي نعيم} أي: محيط بهم أبد الآبدين، وهو نعيم الجنة الذي لا نهاية له. { {
ثم ذكر قسم أهل الشقاوة بقوله تعالى: {وإنّ الفجار} الذي من شأنهم الخروج عما ينبغي الاستقرار فيه من رضا الله تعالى إلى سخطه، وهم الكفار {لفي جحيم} أي: نار محرقة تتوقد غاية التوقد فهم فيها أبد الآبدين.
{يصلونها} أي: يدخلونها ويقاسون حرّها {يوم الدين} أي: يوم الجزاء وهو يوم القيامة.
{وما هم عنها} أي: الجحيم {بغائبين} أي: مخرجين، ويجوز أن يراد يصلون النار يوم الدين وما يغيبون عنها قبل ذلك في قبورهم. وقيل: أخبر الله تعالى في هذه السورة أنّ لابن آدم ثلاث حالات حالة الحياة التي يحفظ فيها عمله، وحالة الآخرة التي يجازى فيها، وحالة البرزخ وهو قوله تعالى: {وما هم