يمضغون ألسنتهم فالعلماء والقصاص الذين خالف قولهم فعلهم، وأما الذين قطعت أيديهم وأرجلهم فهم الذين يؤذون الجيران، وأما المصلبون على جذوع من نار فالسعاة بالناس إلى السلطان، وأما الذين أشدّ نتناً من الجيف فالذين يتبعون الشهوات واللذات ويمنعون حق الله تعالى في أموالهم، وأما الذين يلبسون الجباب فأهل الكبر والفخر والخيلاء» ا. هـ. وقد تكلم في صحة هذا الحديث نعوذ بالله تعالى من هؤلاء ونسأله التوفيق لنا ولأحبابنا، فإنه كريم جواد لا يردّ من سأله.
{وفتحت السماء} أي: شققت لنزول الملائكة {فكانت أبواباً} فإن قيل: هذه الآية تقتضي أنّ السماء بجملتها تصير أبواباً؟ أجيب: بوجوه أوّلها: أنّ تلك الأبواب لما كثرت صارت كأنها ليست إلا أبواباً مفتحة، كقوله تعالى: {وفجرنا الأرض عيوناً} (القمر: 12)
كأنّ كلها عيون تتفجر. ثانيها: أنه على حذف مضاف، أي: فكانت ذات أبواب. ثالثها: أن الضمير في قوله تعالى: {فكانت أبواباً} يعود إلى مضمر، والتقدير فكانت تلك المواضع المفتوحة أبواباً، وقيل: الأبواب الطرق والمسالك أي: تكشط فينفتح مكانها وتصير طرقاً لا يسدها شيء، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بتخفيف التاء بعد الفاء والباقون بتشديدها.
{وسيرت الجبال} أي: ذهب بها عن أماكنها {فكانت سراباً} أي: لا شيء كما أنّ السراب كذلك يظنه الرائي ماء وليس بماء، قال الرازي: إنّ الله تعالى ذكر أحوال الجبال بوجوه مختلفة ويمكن الجمع بينها بأن نقول أول أحوالها الاندكاك وهو قوله تعالى: {وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة} (الحاقة: 14)
والحالة الثانية: أن تصير كالعهن المنفوش وهو قوله تعالى: {وتكون الجبال كالعهن المنفوش} (القارعة: 5)
والحالة الثالثة: أن تصير كالهباء وهو قوله تعالى: {وبست الجبال بساً فكانت هباء منبثاً} (الواقعة: 5 ـ 6)
الحالة الرابعة: أن تنسف لأنها مع الأحوال المتقدّمة قارة في مواضعها فترسل عليها الرياح فتنسفها عن وجه الأرض، فتطيرها في الهواء وهو قوله تعالى: {ويسئلونك عن الجبال قل ينسفها ربي نسفاً} (طه: 105)
الحالة الخامسة: أن تصير سراباً أي: لا شيء كما يرى السراب من بعد. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائيّ بإدغام تاء التأنيث في السين والباقون بالإظهار.
{إنّ جهنم} أي: النار التي تلقى أصحابها متجهمة لهم بغاية ما يكرهون {كانت مرصاداً} أي: ترصد الكفار أو موضع رصد يرصد فيه خزنة النار الكفار أو خزنة الجنة المؤمنين ليحرسوهم من فيحها في مرورهم عليها، وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنّ على جسر جهنم سبع محابس يسأل العبد عند أوّلها عن شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن جاء بها تامّة جاز إلى الثاني فيسأل عن الصلاة، فإن جاء بها تامّة جاز إلى الثالث فيسأل عن الزكاة فإن جاء بها تامة جاز إلى الرابع فيسأل عن الصوم، فإن جاء به تاماً جاز إلى الخامس فيسأل عن الحج فإن جاء به تاماً جاز إلى السادس فيسأل عن العمرة، فإن جاء بها تامة جاز إلى السابع فيسأل عن المظالم، فإن خرج منها وإلا فيقال: انظروا إن كان له تطوّع أكملوا أعماله، فإذا فرغ انطلق به إلى الجنة.
وأما الكافر فهو مستمرّ فيها كما قال تعالى: {للطاغين} أي: الكافرين {مآبا} أي: مرجعاً يرجعون إليه.
وقرأ حمزة {لابثين فيها} بغير ألف بين اللام والباء الموحدة والباقون بألف وهما لغتان والأولى أبلغ قاله البيضاوي.
وقوله تعالى: {أحقاباً} جمع حقب والحقب الواحد