محكمة لا يؤثر فيها مرور الزمان لا فطور فيها ولا فروج. ونظيره قوله تعالى: {وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً} (الأنبياء: 32)
{وجعلنا} أي: بما لنا من العظمة مما لا يقدر عليه غيرنا {سراجاً} أي: منيراً متلألئاً {وهاجاً} أي: وقاداً وهي الشمس.
{وأنزلنا} أي: بما لنا من كمال الأوصاف {من المعصرات} أي: السحاب إذا أعصرت أي: شارفت أن تعصرها الرياح فتمطر، كقولك: أجز الزرع أي: حان أن يجز، وأعصرت الجارية إذا دنت أن تحيض.
وعن الحسن وقتادة: هي السماوات، وتأويله أنّ الماء ينزل من السماء إلى السحاب فكأنّ السموات عصرن. وقيل: من الرياح التي حان لها أن تعصر السحاب. وقيل: الرياح ذوات الأعاصير، وإنما جعلت مبدأ للإنزال لأنها تنشىء السحاب وتدرّ أخلافه. {ماء ثجاجاً} أي: منصباً بكثرة يقال: ثجه وثج بنفسه. وفي الحديث: «أفضل الحج العج والثج» أي: رفع الصوت بالتلبية وصب دماء الهدي، وكان ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مثجاً يسيل غرباً، يعني: يثج الكلام ثجاً في خطبته.
{لنخرج} أي: بعظمتنا التي ربطنا بها المسببات بالأسباب {به} أي: بذلك الماء {حباً} أي: نجماً ذا حب مما يتقوّت به كالحنطة والشعير والأرز {ونباتاً} أي: ما يعتلف به كالتبن والحشيش، كما قال تعالى: {كلوا وارعوا أنعامكم} (طه: 54)
{والحب ذو العصف والريحان} (الرحمن: 12)
{وجنات} أي: بساتين تجمع أنواع الأشجار والنبات المقتات وغيره {ألفافاً} أي: ملتفة بالشجر جمع لفيف كشريف وأشراف.
وقيل: هو جمع الجمع، يقال: جنة لفاء وجمعها لف بضم اللام وجمع الجمع ألفاف. وقيل: لا واحد له كالأوزاع والأخياف. وقيل: الواحد لف. قال صحاب الإقليد أنشدني الحسن بن علي الطوسي:
*جنة لف وعيش مغدق ... وندامى كلهم بيض زهر*
وقال الزمخشري: ولو قيل: هو جمع ملتفة بتقدير حذف الزوائد لكان قولاً وجيهاً.
{إن يوم الفصل} أي: بين الخلائق {كان} أي: في علم الله تعالى وفي حكمه كوناً لا بدّ منه {ميقاتاً} أي: وقتاً للثواب والعقاب، أو وقتاً توقت به الدنيا وتنتهي عنده مع ما فيها من الخلائق.
وقوله تعالى: {يوم ينفخ في الصور} أي: القرن بدل من يوم الفصل أو بيان له، والنافخ إسرافيل عليه السلام أو من أذن الله تعالى له في ذلك {فتأتون} أي: بعد القيام من القبور إلى الموقف {أفواجاً} أي: جماعات مختلفة.
وعن معاذ أنه سأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا معاذ سألت عن أمر عظيم من الأمور ثم أرسل عينيه باكياً، وقال: تحشر عشرة أصناف من أمّتي، بعضهم على صورة القردة، وبعضهم على صورة الخنازير، وبعضهم منكسون أرجلهم فوق وجوههم يسحبون عليها، وبعضهم عمياً، وبعضهم صماً بكماً، وبعضهم يمضغون ألسنتهم فهي مدلاة على صدورهم يسيل القيح من أفواههم، يتقذرهم أهل الجمع، وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم، وبعضهم مصلبون على جذوع من نار، وبعضهم أشد نتناً من الجيف، وبعضهم ملبسون جباباً سابغة من قطران لازقة بجلودهم.
ثم فسر هؤلاء بقوله: فأما الذين على صورة القردة فالقتات من الناس يعني: النمام، وأما الذين على صورة الخنازير فأهل السحت، وأما المنكبون على وجوههم فأكلة الربا، واما العمي فالذين يجورون في الحكم، وأما الصم البكم فالمعجبون بأعمالهم، وأما الذين