فليس هناك إلا ترك العمل فالمجموع تسعة عشر مشغولة بغير العبادة فلا جرم صار عدد الزبانية تسعة عشر.

وقوله تعالى: {ليستيقن الذين} متعلق بجعلنا لا بفتنة. وقيل: بفعل مضمر أي: فعلنا ذلك ليستيقن الذين {أوتوا الكتاب} أي: أعطوا التوراة والإنجيل، فإنه مكتوب فيهما إنه تسعة عشر، فذلك موافقة لما عندهم {ويزداد الذين آمنوا} أي: من أهل الكتاب {إيماناً} أي: تصديقاً لموافقة النبيّ صلى الله عليه وسلم لما في كتبهم {ولا يرتاب} أي: يشك {الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون} في عددهم.

فإن قيل: قد أثبت الاستيقان لأهل الكتاب وزيادة الإيمان للمؤمنين فما فائدة {ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون} ؟ أجيب: بأنّ الإنسان إذا اجتهد في أمر غامض دقيق الحجة كثير الشبه، فحصل له اليقين فربما غفل عن مقدّمة من مقدّمات ذلك الدليل الدقيق فيعود الشك فإثبات اليقين في بعض الأحوال لا ينافي طريان الارتياب بعد ذلك، ففائدة هذه الجملة نفي ذلك الشك، وإنه حصل لهم يقين جازم لا يحصل عقبه شك البتة.

{وليقول الذين في قلوبهم مرض} أي شك ونفاق وإن قل ونزول هذه السورة قبل وجود المنافقين فهو علم من أعلام النبوّة فإنه إخبار بمكة عما سيكون بالمدينة بعد الهجرة ولا ينكر جعل الله تعالى بعض الأمور علة إصلاح ناس وفساد آخرين؛ لأنه لا يسأل عما يفعل على أن العلة قد تكون مقصودة لشيء بالقصد الأوّل ثم يترتب عليها شيء آخر يكون قصده بالقصد الثاني تقول خرجت من البلد لمخافة الشر ومخافة الشر لا يتعلق بها الغرض.

{والكافرون} أي: ويقول الراسخون في الكفر الجازمون بالتكذيب الساترون لما دلت عليه الأدلة من الحق {ماذا} أي: أي شيء {أراد الله} أي: الملك الذي له جميع العظمة {بهذا} أي: العدد القليل في جنب عظمته {مثلاً} قال الجلال المحلي: سموه لغرابته بذلك، وأعرب حالاً. وقال الليث: المثل الحديث ومنه {مثل الجنة التي وعد المتقون} (الرعد: 35)

أي: حديثها والخبر عنها. وقال الرازي: إنما سموه مثلاً لأنه لما كان هذا العدد عدداً عجيباً ظنّ القوم أنه ربما لم يكن مراد الله تعالى منه ما أشعر به ظاهره، بل جعله مثلاً لشيء آخر وتنبيهاً على مقصود آخر لا جرم سموه مثلاً على سبيل الاستعارة لأنهم لما استغربوه ظنوا أنه ضرب مثلاً لغيره، ومثلاً تمييز أو حال وتسمية هذا مثلاً على سبيل الاستعارة لغرابته.

ولما كان التقدير أراد بهذا إضلال من ضل وهو لا يبالي وهداية من اهتدى وهو لا يبالي كان كأنه قيل: هل يفعل مثل ذلك في غير هذا فقال تعالى: {كذلك} أي: مثل هذا المذكور من الإضلال والهداية {يضل الله} أي: الذي له مجامع العظمة ومعاقد العز {من يشاء} بأي كلام شاء، كإضلال الله تعالى أبا جهل وأصحابه المنكرين لخزنة جهنم {ويهدي} بقدرته التامّة {من يشاء} بنفس ذلك الكلام أو بغيره كهداية أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الآية تدل على مذهب أهل السنة لأنه تعالى قال في أوّل الآية {وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا} الخ، ثم قال تعالى: {كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء} .

{وما يعلم جنود ربك} أي: المحسن إليك بأنواع الإحسان المدبر لأمرك {إلا هو} أي: الله سبحانه وتعالى. قال مقاتل رضي الله عنه: وهذا جواب لأبي جهل حيث قال: ما لمحمد أعوان إلا تسعة عشر. وقال مجاهد رضي الله عنه: {وما يعلم جنود ربك} يعني: من الملائكة الذين خلقهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015