بأن يعظمه كل من بلغه أمره لأن عظمته من عظمته، ولم يذكر حرف الغاية إشارة إلى عموم الإرسال إلى كل من شمله الملك كما مضى {بالهدى} أي: البيان الشافي بالقرآن والمعجزة {ودين الحق} أي: والملة الحنيفية {ليظهره} أي: يعليه مع الشهرة وإذلال المنازع {على الدين} أي: جنس الشريعة التي ستجعل ليجازى من يسلكها ومن يزغ عنها بما يشرع فيها من الأحكام {كله} فلا يبقى دين إلا كان دونه، وانمحق به وذل أهله ذلاً لا يقاس به ذل {ولو كره} أي: إظهاره {المشركون} أي: المعاندون في كفرهم الراسخون في سلك المعاندة.
فإن قيل: قال أولاً: {ولو كره الكافرون} ، وقال ثانياً: {ولو كره المشركون} ، فما الحكمة في ذلك؟.
أجيب: بأنه تعالى أرسل رسوله، وهو من نعم الله تعالى، والكافرون كلهم في كفران النعم سواء فلهذا قال {ولو كره الكافرون} لأن لفظ الكافر أعم من لفظ المشرك فالمراد من الكافرين هنا اليهود والنصارى والمشركون، فلفظ الكافر أليق به. وأما قوله تعالى: {ولو كره المشركون} فذلك عند إنكارهم التوحيد وإصرارهم عليه، لأنه صلى الله عليه وسلم في ابتداء الدعوة أمر بالتوحيد بلا إله إلا الله فلم يقولوها، فلهذا قال: {ولو كره المشركون} .
{س61ش10/ش14 يَا?أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا? هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ? وَتُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ? ذَالِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ا?نْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِى جَنَّاتِ عَدْنٍ? ذَالِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا? نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ? وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ * يَا?أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا? كُونُو?ا? أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّـ?نَ مَنْ أَنصَارِى? إِلَى اللَّهِ? قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ? فَـ?َامَنَت طَّآ?ـ?ِفَةٌ مِّن? بَنِى? إِسْرَا?ءِيلَ وَكَفَرَت طَّآ?ـ?ِفَةٌ? فَأَيَّدْنَا الَّذِينَءَامَنُوا? عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا? ظَاهِرِينَ}
واختلف في سب نزول قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا} أي: أقروا بالإيمان {هل أدلكم} أي: وأنا المحيط علماً وقدرة فهي إيجاب في المعنى، ذكر بلفظ الاستفهام تشريفاً ليكون أوقع في النفس {على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} أي: مؤلم فقال مقاتل: نزلت في عثمان بن مظعون قال: «يا رسول الله لو أذنت لي طلقت خولة، وترهبت واختصيت، وحرمت اللحم، ولا أنام بليل أبداً، ولا أفطر بنهار، فقال صلى الله عليه وسلم إن من سنتي النكاح، ولا رهبانية في الإسلام إنما رهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله، وخصاء أمتي الصوم، ولا تحرموا طيبات ما احل الله لكم، ومن سنتي أنام وأقوم وأفطر وأصوم فمن رغب عن سنتي فليس مني، فقال عثمان: والله لوددت يا رسول الله أيّ التجارة أحب إلى الله تعالى فأتجر فيها، فنزلت» وقيل: أدلكم، أي: سأدلكم، والتجارة: الجهاد، قال الله تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم} (التوبة: 111)
الآية، وهذا خطاب لجميع المؤمنين. وقيل: نزل هذا حين قالوا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله تعالى لعملنا به. قال البغوي: وجعل هذا بمنزلة التجارة لأنهم يربحون بها رضا الله تعالى، ونيل جنته والنجاة من النار وقرأ ابن عامر بفتح النون وتشدد الجيم، والباقون بسكون النون وتخفيف الجيم
ثم بين سبحانه تلك التجارة بقوله تعالى: {تؤمنون} أي: تدومون على الإيمان {بالله} أي: الذي له جميع صفات الكمال، وعلى هذا فلا ينافي ذلك قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا} وقيل: المراد من هذه الآية المنافقون وهم الذين آمنوا في الظاهر، وقيل: أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى فإنهم آمنوا بالكتب المتقدمة {ورسوله} الذي تصديقه آية الإذعان للعبودية {وتجاهدون} بياناً لصحة إيمانكم على سبيل التجديد والاستمرار {في سبيل الله} أي: الملك الأعظم الذي لا أمر لغيره {بأموالكم وأنفسكم} وقدم الأموال لعزتها في ذلك الزمان، ولأنها قوام الأنفس فمن بذل ماله كله لم يبخل بنفسه، لأن المال قوامها. وقال القرطبي: ذكر الأموال أولاً لأنها التي يبدأ بها في الإنفاق {ذلكم} أي: الأمر العظيم من الإيمان وتصديقه بالجهاد {خير لكم} أي: من أموالكم