الآلات.
ولما ذكر إنعامه الدال على اقتداره برفع السماء، ذكر على ذلك الوجه مقابلها بعد أن وسط بينهما ما قامتا به من العدل تنبيهاً على شدّة العناية والاهتمام به فقال تعالى: {والأرض} أي: ووضع الأرض ثم فسر ناصبها كما فعل في قوله تعالى: {والسماء رفعها} فقال تعالى: {وضعها} أي: دحاها وبسطها على الماء {للأنام} أي: كل من فيه قابلية النوم أو قابلية الونيم وهو الصوت. وقيل: هو الحيوان وقيل: بنو آدم خاصة. وهو مروي عن ابن عباس ونقل النووي في التهذيب عن الزبيدي الأنام الخلق قال: ويجوز الأنيم وقال: الواحدي قال الليث: الأنام ما على ظهر الأرض من جميع الخلق. وقال: الحسن هم الأنس والجن.
{فيها} أي: الأرض {فاكهة} أي: ما يتفكه به الإنسان من ألوان الثمار ونكرها لأنّ الانتفاع بها دون الانتفاع بما ذكر بعدها فهو من باب الترقي من الأدنى إلى الأعلى، إذ التنكير فيها للتعظيم والتكثير، نبه عليه بتعريف فرع منها ونوه به لأنّ فيه مع التفكه التقوت وهو أكثر ثمار العرب المقصودين بهذا الذكر بالقصد الأوّل فقال تعالى: {والنخل} ودل على تمام القدرة بقول تعالى: {ذات} أي: صاحبة {الأكمام} أي: أوعية ثمرها وهو الطلع قبل أن ينفتق بالثمر، والأكمام جمع كم بالكسر قال الجوهري: والكم بالكسر والكمامة وعاء الطلع وغطاء النور والجمع كمام وأكمة وإكمام والكمامة ما يكم به فم البعير لئلا يعض؛ وكم القميص بالضم والجمع أكمام وكممه والكمة القلنسوة المدوّرة لأنها تغطي الرأس.
{والحب} أي: جميع الحبوب التي يقتات بها كالحنطة والشعير {ذو العصف} قال ابن عباس: تبن الزرع وورقه الذي يعصفه الريح، وقال مجاهد: ورق الشجر والزرع، وقال سعيد بن جبير: بقل الزرع الذي أوّل ما ينبت منه وهو قول الفراء. والعرب تقول: خرجنا نعصف الزرع إذا قطعوا منه قبل أن يدرك وقيل: العصف حطام النبات. {والريحان} وهو في الأصل مصدر ثم أطلق على الرزق قال ابن عباس ومجاهد والضحاك: هو الرزق بلغة حمير، كقولهم: سبحان الله وريحانه نصبوهما على المصدر يريدون تنزيهاً له واسترزاقاً. وعن ابن عباس أيضاً والضحاك وقتادة: أنه الريحان الذي يشم، وهو قول ابن زيد. وقال سعيد بن جبير: هو ما قام على ساق. وقال الفراء: العصف المأكول من الزرع والريحان ما لا يؤكل وقال الكلبي: العصف الورق الذي يؤكل والريحان هو الحب المأكول. وقيل: كل بقلة طيبة الريح سميت ريحاناً، لأنّ الإنسان يراح لها رائحة طيبة أي يشم. وفي الصحاح: والريحان نبت معروف، والريحان الرزق تقول: خرجت أبتغي ريحان الله، وفي الحديث: «الولد من ريحان الله» . وقرأ ابن عامر: بنصب الحب وذا والريحان بخلق مضمر، أي: وخلق الحب وذا العصف والريحان.
وقرأ حمزة والكسائي: برفع الحب وذو عطفا على فاكهة، وجرّ الريحان عطفاً على العصف، والباقون: برفع الثلاثة عطفاً على فاكهة أي وفيها أيضاً هذه الأشياء.
ولما دخل في قوله تعالى: {والأرض وضعها للأنام} الجنّ والأنس خاطبهما بقوله تعالى: {فبأيّ آلاء} أي: نعم {ربكما} أي: المحسن إليكما المدبر لكما الذي لا مدبر ولا سيد لكما غيره {تكذبان} أبتلك النعم أم بغيرها؟ وكرر هذه الآية في هذه السورة في أحد وثلاثين