ومعناه العلم عندي كما يكون في الكتاب فهو يحفظ الأشياء وهو مستغن عن أن يحفظ. وقوله تعالى:
{بل كذبوا بالحق} أي: الأمر الثابت الذي لا أثبت منه إضراب ثان قال الزمخشري: إضراب أتبع للإضراب الأوّل للدّلالة على أنهم جاءوا بما هو أفظع من تعجبهم وهو التكذيب بالحقّ {لما} أي: حين {جاءهم} أي: لما ثار عندهم من أجل تعجبهم من إرسال رسولهم من حظوظ النفوس حسداً منهم من غير تأمّل لما قالوه ولا تدبر ولا نظر فيه ولا تذكر فلذلك قالوا ما لا يعقل من أنّ من قدر على إيجاد شيء من العدم وابدائه لا يقدر على إعادته بعد إعدامه له {فهم} أي: لأجل مبادرتهم إلى هذا القول السفساف {في أمر مريج} أي: مضطرب جدّاً مختلط من المرج الذي هو اختلاط النبت بالأنواع المختلفة فهم تارة يقولون سحر وتارة كهانة وتارة شعر وتارة كذب وتارة غير ذلك، لا يثبتون على شيء واحد. والاضطراب موجب للاختلاف وذلك أدل دليل على الإبطال كما أنّ الثبات والخلوص موجب للاتفاق وذلك أدل دليل على الحقية قال الحسن: ما ترك قوم الحق إلا مرج أمرهم. وكذا قال قتادة وزاد والتبس عليهم دينهم.
ثم ذكر تعالى الدليل الذي يدفع قولهم ذلك رجع بعيد بقوله تعالى:
{أفلم ينظروا} أي: بعين البصر والبصيرة {إلى السماء} أي: المحيطة بهم {فوقهم} فإن غيرها إنما هو فوق ناس منهم لا فوق الكل {كيف بنيناها} أي: أوجدناها على مالنا من المجد والعز مبنية كالخيمة إلا أنها من غير عمد {وزيناها} أي بما فيها من الكواكب الكبار والصغار السيارة والثابتة {وما} أي: والحال أن ما {لها} وأكد النفي بقوله تعالى: {من فروج} أي: فتوق وطاقات وشقوق بل هي ملساء متلاصقة الأجزاء.H
{والأرض} أي: المحيطة بهم التي هم عليها {مددناها} أي: بسطناها بما لنا من العظمة {وألقينا} أي: بعظمتنا {فيها رواسي} أي جبالاً ثوابت كانت سبباً لثباتها وخالفت عادة المراسي في أنها من فوق والمراسي التي تعالجونها أنتم من تحت {وأنبتنا} أي بما لنا من العظمة {فيها} أي الأرض وعظم قدرته بالتبعيض فقال تعالى: {من كل زوج} أي صنف من النبات تزاوجت أشكاله {بهيجٍ} أي هي في غاية الرونق والإعجاب فكان مع كونه رزقاً منتزهاً.
{تبصرةً} أي: جعلنا هذه الأشياء كلها لأجل أن تنظروا بأبصاركم وتتفكروا ببصائركم فتعبروا منها إلى صانعها فتعلموا ما له من العظمة {وذكرى} أي: ولتذكروا بها تذكراً عظيماً بما لكم من القوى والقدر فتعلموا بعجزكم عن كل شيء من ذلك أنّ صانعها لا يعجزه شيء وأنه محيط بجميع صفات الكمال وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: بالإمالة محضة. وقرأ ورش: بالإمالة بين بين والباقون بالفتح.
تنبيه: قال الرازي: يحتمل أن يكون الأمران عائدين إلى السماء والأرض أي خلق السماء تبصرة وخلق الأرض ذكرى ويدل على ذلك أنّ السماء وزينتها غير مستجدّة في كل عام فهي كالشيء المرئي على ممر الزمان. وأمّا الأرض فهي كل سنة تأخذ زينتها وزخرفها فتذكر فالسماء تبصرة والأرض تذكرة ويحتمل أن يكون كل واحد من الأمرين موجوداً في كل واحد من الأمرين فالسماء تبصرة وتذكرة والأرض كذلك.
والفرق بين التذكرة والتبصرة هو أنّ فيهما آيات مستمرة منصوبة في مقابلة البصائر وآيات متجدّدة مذكرة عند التناسي {لكل عبدٍ} أي: