فأخبرهما فقالا: كان عند أسامة ولكن بخل فبعثا سلمان إلى طائفة من الصحابة فلم يجد عندهم شيئاً فلما رجع قالا له: لو بعثناه إلى بئر سميحة لغار ماؤها ثم انطلقا يتجسسان هل عند أسامة ما أمر لهما به رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاءا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما: ما لي أرى خضرة اللحم في أفواهكما قالا والله يا رسول الله ما تناولنا يومنا هذا لحماً. قال ظلتم تأكلون لحم أسامة وسلمان فأنزل الله عز وجلّ {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن} .
وقوله تعالى: {إن بعض الظنّ إثم} تعليل مستأنف للأمر قال صلى الله عليه وسلم «إياكم والظنّ فإنّ الظنّ أكذب الحديث» والإثم الذنب الذي يستحق العقوبة عليه وجعل الزمخشري همزه بدلاً من واو قال: لأنه يتم الأعمال أي يكسرها قال ابن عادل: وهذا غيره مسلم بل تلك مادّة أخرى.
قال سفيان الثوري: الظنّ ظنان: أحدهما: إثم وهو أن يظنّ ويتكلم به والآخر ليس بإثم وهو أن يظنّ ولا يتكلم به. وقوله تعالى {ولا تجسسوا} حذف منه إحدى التاءين أي لا تتبعوا عورات المسلمين ومعائبهم بالبحث عنها قال صلى الله عليه وسلم «لا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً» وقال عليه الصلاة والسلام: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عورات المسلمين يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله» ونظر ابن عمر يوماً إلى الكعبة فقال: ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم عند الله حرمة منك. وقيل لابن مسعود: هل لك في الوليد بن عقبة تقطر لحيته خمراً فقال: إنا نهينا عن التجسس وإن يظهر لنا شيئاً نأخذه به.
تنبيه: قرأ ولا تنابزوا ولا تجسسوا ولتعارفوا البزي في الوصل بتشديد التاء والباقون بغير تشديد
ولما كانت الغيبة أعمّ من التجسس قال: {ولا يغتب} أي: ولا يتعمد أن يذكر {بعضكم بعضاً} أي: في غيبته بما يكره. قال القشيري: وليس تحصل الغيبة للخلق إلا من الغيبة عن الحق وقال أبو حيان: قال ابن عباس: الغيبة إدام كلاب الناس.
وعن أبي هريرة «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم قال ذكرك أخاك بما يكره قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقوله قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته» وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنهم ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً فقالوا لا نأكل حتى يطعم ولا نرحل حتى يرحل فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم «اغتبتموه فقالوا: إنما حدّثنا بما فيه قال: حسبك إذا ذكرت أخاك بما فيه» وفي هذا إشارة إلى وجوب حفظ عرض المؤمن فإنّ تمزيق عرض الإنسان كتمزيق أديمه ولحمه كما قال تعالى: {أيحبّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه} وقرأ {ميتاً} نافع بتشديد الياء والباقون بالسكون.
ولما كان الجواب قطعاً لا يحب أحد ذلك أشار إليه بما سببه من قوله تعالى: {فكرهتموه} أي: بسبب ما ذكر طبعاً فأولى أن تكرهوا الغيبة المحرّمة عقلاً لأنّ داعي العقل بصير عالم وداعي الطبع أعمى جاهل.
تنبيه: في هذا التشبيه إشارة إلى أنّ عرض الإنسان كدمه ولحمه لأنّ الإنسان يتألم قلبه من قرض العرض كما يتألم جسمه من قطع اللحم وهذا