وما أدري ما يفعل بي ولا بكم} هو شيء رأيته في المنام. {إن} أي: ما {أتبع} أي: بغاية جهدي وجدّي {إلاما} أي: الذي {يوحى} أي: يجدّد لقاؤه ممن لا يوحى بحق سواه {إلي} على سبيل التدريج لا يطلع عليه حق اطلاعه غيري. ثالثها: قال الضحاك: لا أدري ما تؤمرون به ولا ما أومر به من التكاليف والشرائع، ولا من الابتلاء والامتحان.
{وما أنا} أي: بإخباري لكم عما يوحى إليّ {إلا نذير مبين} أي: بيّن الإنذار رابعها: كأنه يقول: ما أدري ما يفعل بي في الدنيا؛ أموت، أو أقتل كما قتل الأنبياء قبلي؟ ولا أدري ما يفعل بكم أيها المكذبون؛ أترمون بالحجارة من السماء، أو يخسف بكم، أو يفعل بكم ما يفعل بسائر الأمم؟ قال السدّي: ثم أخبره الله تعالى أنه يظهر دينه على الأديان بقوله تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله} (التوبة: 23)
وقال في أمّته {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} (الأنفال: 33)
فأخبره الله تعالى بما يصنع به وبأمّته.
وأما من حمل الآية على أحوال الآخرة، فروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لما نزلت هذه الآية، فرح المشركون والمنافقون واليهود. وقالوا: كيف نتبع نبياً لا يدري ما يفعل به ولا بنا؟ فأنزل الله تعالى: {إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخر} إلى قوله تعالى: {وكان ذلك عند الله فوزاً عظيماً} (الفتح: 5)
فقالت الصحابة: هنيئاً لك يا رسول الله قد علمنا ما يفعل بك فما يفعل بنا؟ فأنزل الله عز وجل: {ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار} (سورة الفتح، آية: 5)
الآية وأنزل: {وبشر المؤمنين بأنّ لهم من الله فضلاً كبيراً} (الأحزاب: 47)
فبين لهم ما يفعل به وبهم وبهذا قال أنس والحسن وعكرمة. وقالوا إنما قال هذا قبل أن يخبر بغفران ذنبه، لأنه إنما أخبر به عام الحديبية فنسخ ذلك.
قال الرازي: وأكثر المحققين استبعدوا هذا القول من وجهين؛ أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم لا بدّ وأن يعلم من نفسه ومتى علم كونه نبياً علم أنه لا تصدر عنه الكبائر، وأنه مغفور له وإذا كان كذلك امتنع كونه شاكاً في أنه هل هو مغفور له أو لا ثانيهما: أن الأنبياء أرفع حالاً من الأولياء وقد قال تعالى في حقهم {إنّ الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} (الأحقاف: 13)
فكيف يعقل أن يبقى الرسول الذي هو رئيس الأنبياء وقدوة الأولياء شاكاً في أنه هل هو من المغفور لهم؟ فثبت ضعف هذا القول.
{قل} يا أفضل الخلق لهؤلاء المصرّين على التكذيب {أرأيتم} أي: أخبروني {إن كان} أي: هذا الذي أتيتكم به وهو القرآن {من عند الله} أي: الملك الأعظم. {وكفرتم به} أي: أيها المشركون {وشهد شاهد} واحد أو أكثر {من بني إسرائيل} أي: الذي جرت عادتكم أن تستفتوهم وتثقوا بهم {على مثله} أي: مثل ما في القرآن من أنّ من وحد فقد آمن ومن أشرك فقد كفر وأن الله تعالى أنزل ذلك في التوراة والإنجيل وجميع أسفارهم فتطابقت عليه كتبهم وتضافرت به رسلهم، وتواترت على الدعاء إليه والأمر به أنبياؤهم عليهم الصلاة والسلام {فآمن} أي: هذا الذي شهد هذه الشهادة {واستكبرتم} أي: أوجدتم الكبر بالإعراض عنه طالبين بذلك الرياسة والفخر، فكنتم بعد شهادة هذا الشاهد معاندين من غير شبهة فضللتم، فوضعتم الشيء في غير موضعه، فانسدّ عليكم باب الهداية.
واختلف في هذا الشاهد فقال قتادة والضحاك وأكثر المفسرين: هو عبد الله بن سلام شهد بنبوّة المصطفى صلى الله عليه وسلم وآمن به، واستكبرت اليهود فلم يؤمنوا به. كما روى أنس