العجم، فظهر بذلك ظهور الشمس أنكم كاذبون {وهو} أي: وحده {الغفور} أي: الذي من شأنه أن يمحو الذنوب أعيانها وآثارها فلا يعاقب عليها ولا يعاتب {الرحيم} أي الذي يكرم بعد المغفرة ويتفضل بالتوفيق لما يرضيه قال الزجاج: هذا دعاء إلى التوبة ومعناه غفور لمن تاب منكم رحيم به ولما حكى تعالى طعنهم في كون القرآن معجزاً بقولهم: إنه يختلقه من عند نفسه ثم ينسبه إلى أنه كلام الله تعالى على سبيل الفرية حكى عنهم شبهة أخرى وهو أنهم كانوا يقترحون عليه معجزات عجيبة، ويطالبونه بأن يخبرهم عن المغيبات، فأجاب الله تعالى عن ذلك. بقوله عز وجل:
{قل} أي: لهؤلاء الذين نسبوك إلى الافتراء {ما كنت} أي: كونا مّا {بدعاً} أي: منشأ مبتدعاً محدثاً مخترعاً، بحيث أكون أجنبياً منقطعاً {من الرسل} أي: لم يتقدّم لي منهم مثال في أصل ما جئت به وهو التوحيد ومحاسن الأخلاق بل قد تقدّمني رسل كثيرون أتوا بمثل ما أتيت به، ودعوا إليه كما دعوت إليه، وصدّقهم الله تعالى بمثل ما صدّقني به. فثبت بذلك رسالتهم وسعد بهم من صدّقهم من قومهم وشقي من كذبهم فانظروا إلى آثارهم واسألوا عن سيرهم من أتباعهم وأنصارهم وأشياعهم.
{تنبيه} البدع والبديع من كل شيء: المبدأ والبدعة؛ ما اخترع مما لم يكن موجوداً قبله. وفي الحديث «كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار» قال البقاعي معناه والله أعلم: أنه يبتدع ما يخالف السنة إذا كانت البدعة ضدّ السنة فإذا أحدث ما يخالفها كان بإحداثه ضالاً مشركاً وكان وما أحدث في النار. ولم يدخل تحت هذا ما يخترعه الإنسان من أفعال البّر يسمى بدعة لعدم فعله قبل ذلك فيخرج عما ذكر. ا. هـ. وقال ابن عبد السلام: البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرّمة ومندوبة ومكروهة ومباحة: قال والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة؛ فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، كالاشتغال بعلم النحو، أو في قواعد التحريم فمحّرمة، كمذهب القدرية والمجسمة والرافضة، قال: والردّ على هؤلاء من البدع الواجبة، أوفى قواعد المندوب، فمندوبة كبناء الربط والمدارس، وكل إحسان لم يحدث في العصر الأوّل كصلاة التراويح، أو في قواعد المكروه فمكروهة كزخرفة المساجد وتزويق المصاحف أو في قواعد المباح فمباحة، كالمصافحة عقب الصبح والعصر والتوسع في المآكل والملابس. وروى البيهقي بإسناده في مناقب الشافعيّ رضى الله تعالى عنه أنه قال: المحدثات ضربان؛ أحدهما: ما خالف كتاباً أو سنة أو إجماعاً فهو بدعة وضلالة، والثاني: ما أحدث من الخير فهو غير مذموم.
واختلف في تفسير قوله تعالى عن قوله عليه الصلاة والسلام: {وما أدري ما يفعل بي ولا بكم} على وجهين؛ أحدهما: أن يحمل ذلك على أحوال الدنيا والثاني: أن يحمل على أحوال الآخرة. أما الأوّل؛ ففيه وجوه. أحدها: أنّ معناه لا أدري ما يصير إليه أمري وأمركم، ومن الغالب منا ومن المغلوب. ثانيها: قال ابن عباس في رواية الكلبي: لما اشتد البلاء بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بمكة: رأى في المنام أنه يهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء فقصها على أصحابه فاستبشرّوا بذلك ورأوا أن ذلك فرج ما بهم من أذى المشركين. ثم إنهم مكثوا برهة من الدهر لا يرون أثر ذلك فقالوا يا رسول الله ما رأينا الذي قلت متى تهاجر إلى الأرض التي رأيتها في المنام؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى:
{قل ما كنت بدعاً من الرسل