للحيّ القيوم} (طه، 111) ونقل البندنيجي عن أكثر العلماء أن الإسم الأعظم هو الله قال الكلبي والربيع بن أنس وغيرهما: نزلت هذه الآية في وفد نصارى نجران وكانوا ستين راكباً قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم، وفي الأربعة عشر ثلاثة نفر يؤول إليهم أمرهم العاقب أمير القوم وصاحب مشورتهم الذي لا يصدرون إلا عن رأيه واسمه عبد المسيح والسيد صاحب رحلهم واسمه الأيهم وأبو حارثة بن علقمة حبرهم دخلوا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى العصر عليهم ثياب الحبرات والحارث بن كعب يقول من ورائهم: ما رأينا وفداً مثلهم وقد حانت صلاتهم، فقاموا للصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «دعوهم يصلوا إلى المشرق» فكلم السيد والعاقب، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم «أسلما قالا قد أسلمنا قبلك قال: كذبتما يمنعكما من الإسلام ثلاثة أشياء دعاؤكما لله ولداً وعبادتكما للصليب وأكلكما الخنزير» قالوا: إن لم يكن عيسى ولد الله فمن أبوه وخاصموه جميعاً في عيسى، فقال لهم النبيّ صلى الله عليه وسلم «ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا وهو يشبه أباه؟» قالوا: بلى قال: «ألستم تعلمون أنّ ربنا حيّ لا يموت وأنّ عيسى يأتي عليه الفناء؟» قالوا: بلى قال: «ألستم تعلمون أنّ ربنا قيم على كل شيء يحفظه ويرزقه؟» قالوا: بلى قال: «فهل يملك عيسى من ذلك شيئاً؟» قالوا: لا قال: «ألستم تعلمون أنّ الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء؟» قالوا: بلى قال: «فهل يعلم عيسى من ذلك إلا ما علمه الله؟» قالوا: لا قال: «فإنّ ربنا صوّر عيسى في الرحم كيف شاء وربنا لا يأكل ولا يشرب»
قالوا: بلى قال: «ألستم تعلمون أنّ عيسى حملته أمّه كما تحمل المرأة ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها ثم غذي كما يغذى الصبيّ، ثم كان يطعم ويشرب ويحدث» قالوا: بلى قال: «وكيف يكون هذا كما زعمتم؟» فسكتوا فأنزل الله تعالى صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها» .
{نزل عليك} يا محمد {الكتاب} أي: القرآن متلبساً {بالحق} أي: بالصدق في أخباره أو بالحجج المحققة أنه من عند الله وهو في موضع الحال أي: محقاً {مصدّقاً لما بين يديه} أي: قبله من الكتب.
فإن قيل: كيف سمي ما مضى بأنه بين يديه؟ أجيب: بأن تلك الأخبار لغاية ظهورها وكونها موجودة سماها بهذا الاسم {وأنزل التوراة} جملة على موسى عليه الصلاة والسلام {والإنجيل} جملة على عيسى عليه الصلاة والسلام.
{من قبل} أي: قبل تنزيل القرآن، واختلف الناس في هذين اللفظين هل يدخلهما الاشتقاق والتصريف أو لا يدخلانهما لكونهما أعجميين فلا يناسب كونهما مشتقين، ورجح هذا الزمخشري وقال: قالوا لأنّ هذين اللفظين اسمان عبرانيان لهذين الكتابين الشريفين وقوله تعالى: {هدى} حال بمعنى هاديين من الضلالة ولم يثنه؛ لأنه مصدر {للناس} أي: على العموم إن قلنا: متعبدون بشرع من قبلنا وهو رأي وإلا فالمراد بالناس قومهما وإنما عبر في التوراة والإنجيل بأنزل وفي القرآن بنزل المقتضى للتكرير؛ لأنهما أنزلا دفعة واحدة بخلافه. وقيل: إن القرآن أنزل من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا جملة واحدة ومن سماء الدنيا منجماً في ثلاث وعشرين سنة فحيث عبر فيه بأنزل أريد الأول أو ينزل أريد الثاني.
فإن قيل: يردّ الأوّل بقوله تعالى: {هو الذي أنزل عليك الكتاب} وبقوله تعالى: {والذين يؤمنون بما أنزل إليك} (البقرة، 4)