«من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه» أي: عن قيام الليل أو عن كل ما يسوءه وهذا يردّ قول من استنكر أن يقال سورة البقرة، وقال: ينبغي أن يقال السورة التي يذكر فيها البقرة كما قال عليه الصلاة والسلام: «السورة التي تذكر فيها البقرة فسطاط القرآن فتعلموها، فإن تعلمها بركة وتركها حسرة ولن تستطيعها البطلة» قيل: وما البطلة؟ قال: «السحرة» أي: أنهم مع حذقهم لا يوفقون لتعليمها أو التأمّل في معانيها أو العمل بما فيها، وسموا بطلة لانهماكهم في الباطل أو لبطالتهم عن أمر الدين، والفسطاط الخيمة أو المدينة الجامعة سميت به السورة لاشتمالها على معظم أصول الدين وفروعه والإرشاد إلى كثير من مصالح العباد ونظام المعاش ونجاة المعاد. وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: أنه رمى الجمرة ثم قال: من ههنا والذي لا إله إلا هو رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة ولا فرق بين هذا وبين قولك سورة الزخرف والممتحنة والمجادلة.
وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنّ الله تعالى كتب كتاباً قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام فأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة فلا يقرآن في دار ثلاث ليال فلا يقربها شيطان» انتهى.
سورة آل عمران مدنية
باتفاق وآياتها مائتان أو إلا آية وثلاثة آلاف وأربعمائةوثمانون كلمة وأربعة عشر ألفاً وخمسمائة وعشرون حرفاً
{بسم الله} الذي له صفات الكمال فاستحق التفرد بالألوهية {الرحمن} الذي سرت رحمته خلال الوجود فشملت كل موجود بالكرم والجود {الرحيم} لمن توكل عليه بالعطف إليه وقوله تعالى:
{ألم} تقدّم الكلام عليه في أوّل سورة البقرة.
{الله لا إله إلا هو} لم يقطع أحد من القراء السبعة هذه الهمزة التي في الله في الوصل، وإذا وقف على ألم يبدأ بالهمزة، ولكل من القراء مدّ على الميم ووصل في الوصل وإنما فتح الميم لالتقاء الساكنين كما هو مذهب سيبويه وجمهور النحاة.
فإن قيل: أصل التقاء الساكنين الكسر فلم عدل عنه؟ أجيب: بأنهم لو كسروا لكان ذلك مفضياً إلى ترقيق لام الجلالة والمقصود تفخيمها للتعظيم فأوثر الفتح لذلك كما حركوها في نحو من الله، وأيضاً فقبل الميم ياء وهي أخت الكسرة وقبل هذه الياء كسرة، فلو كسرنا الميم الأخيرة لالتقاء الساكنين لتوالى ثلاث متجانسات فحركوها بالفتح، وأمّا سقوط الهمزة فواضح وبسقوطها التقى الساكنان وقيل: إنّ هذه الفتحة ليست لالتقاء الساكنين بل هي حركة نقل أي: نقلت حركة الهمزة التي قبل لام التعريف على الميم الساكنة نحو {قد أفلح} في قراءة ورش وهذا مذهب الفرّاء وجرى عليه الزمخشريّ وأطال الكلام فيه ورده أبو حيان بما يطول ذكره وقوله تعالى {ا} مبتدأ وما بعده خبره وقوله تعالى: {الحيّ القيوم} نعت له والحيّ هو الفعال الدراك والقيوم هو القائم بذاته والقائم بتدبير خلقه.
روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إن اسم الله الأعظم في ثلاث سور في البقرة {الله لا إله إلا هو الحيّ القيوم} (البقرة، 255) وفي آل عمران {الله لا إله إلا هو الحيّ القيوم} وفي طه {وعنت الوجوه