بمكة فهم عمر أن يبطش به، فنزلت بالغفر والتجاوز، وروى ميمون بن مهران: «أن فتحاص اليهودي لما نزل قوله تعالى {من ذا الذي يقرض الله قرضااًحسناً} (البقرة: 245)
قال: احتاج رب محمد فسمع ذلك عمر فاشتمل على سيفه وخرج في طلبه فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليه فرده» .
وقال القرطبي والسدي: «نزلت في ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل مكة كانوا في أذى كثير من المشركين قبل أن يؤمروا بالقتال فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت» . ثم نسختها آية القتال، قال الرازي: وإنما قالوا بالنسخ لأنه يدخل تحت الغفران أن لا يقتلوا ولا يقاتلوا، فلما أمر الله تعالى بالمقاتلة كان نسخاً والأقرب أن يقال إنه محمول على ترك المنازعة وعلى التجاوز فيما يصدر عنهم من الكلمات المؤذية، وقال ابن عباس: لا يرجون أيام الله أي: ثوابه ولا يخافون عقابه ولا يخشون مثل عذاب الأمم الماضية وتقدم تفسير أيام الله عند قوله تعالى {وذكرهم بأيام الله} (إبراهيم: 5)
وقوله تعالى {ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون} علة للأمر، والقوم: هم المؤمنون أو الكافرون أو كلاهما فيكون التنكير للتعظيم أو التحقير أو التنويع أو لكسب المغفرة أو الإساءة أو ما يعمهما، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بالنون لنجزي نحن بما لنا من العظمة، والباقون بالياء التحتية أي: ليجزي الله سبحانه وتعالى.
ولما رغب سبحانه وتعالى ورهب وقرر أنه لا بد من الجزاء زاد في الترغيب والترهيب بأن النفع والضر لا يعدوهم فقال تعالى شارحاً للجزاء:
{من عمل صالحاً} قل أو جل {فلنفسه} أي: خاصة عمله يرى جزاءه في الدنيا والآخرة وهو مَثَل ضربه الله تعالى للذين يغفرون {ومن أساء} كذلك {فعليها} خاصة إساءته كذلك، وهذا مثل ضربه الله تعالى للكفار الذين كانوا يؤذون الرسول والمؤمنين، وذلك في غاية الظهور لأنه لا يسوغ في عقل عاقل أن ملكاً يدع عبيده من غير جزاء ولا سيما إذا كان حكيماً، وإن كانت نقائص النفوس غطت على كثير من العقول ذلك {ثم} أي: بعد الابتلاء بالإملاء في الدنيا والحبس في البرزخ {إلى ربكم} أي: الملك المالك لكم لا إلى غيره {ترجعون} أي: تصيرون فيجازي المصلح والمسيء.
{ولقد آتينا} أي: على ما لنا من العظمة {بني إسرائيل الكتاب} أي: الجامع للخيرات وهو يعم التوراة والإنجيل والزبور وغيرها مما أنزل على أنبيائهم عليهم السلام {والحكم} أي: العلم والعمل الثابتين ثبات الأحكام بحيث لا يتطرق إليهما فساد بما للعلم من الزينة بالعمل وللعمل من الإتقان بالعلم {والنبوة} التي تدرك بها الخيرات العظيمة التي لا يمكن إبلاغ الخلق إليها بلوغ اكتساب منهم فأكثرنا فيهم من الأنبياء عليهم السلام.
{ورزقناهم} بما لنا من العظمة لإقامة أبدانهم {من الطيبات} أي: الحلالات من المن والسلوى وغيرهما {وفضلناهم} أي: بما لنا من العزة {على العالمين} قال أكثر المفسرين: علامي زمانهم، وقال ابن عباس: لم يكن أحد من العالمين أكرم على الله ولا أحب إليه منهم، أي: لما آتاهم من الآيات المرئية والمسموعة وأكثر فيهم من الأنبياء مما لم يفعله بغيرهم ممن سبق وكل ذلك فضيلة ظاهرة.
{وآتيناهم} مع ذلك {بينات من الأمر} أي: الموحى به إلى أنبيائهم من الأدلة القطعية والأحكام والمواعظ المؤيدة بالمعجزات ومن صفات الأنبياء الآتين بعدهم وغير ذلك مما هو