على الله تعالى {إنه هو} أي: وحده {السميع} أي: لكل مسموع من استعاذتك وغيرها {العليم} أي: بكل معلوم من نزغه وغيره فهو القادر على رد كيده وتوهين أمره ثم استدل على ذلك بقوله تعالى:
{ومن آياته} الدالة على وحدانيته وأنه سميع عليم {الليل والنهار} باختلاف هيئتهما على قدرته على البعث وكل مقدور، وقدم الليل على ذكر النهار تنبيهاً على أن الظلمة عدم، والنور وجود والعدم سابق على الوجود، {والشمس والقمر} اللذان هما الليل والنهار، وقدم الشمس على ذكر القمر لكثرة نفعها.
ولما ثبت أنه تعالى المنفرد بالخلق قال سبحانه: {لا تسجدوا للشمس} التي هي من أعظم أوثانكم وأعاد النافي تأكيداً فقال: {ولا للقمر} فإنهما دالان على وجود الإله مخلوقان مسخران فلا ينبغي السجود لهما لأن السجود عبارة عن نهاية التعظيم وهو لا يليق إلا بالذي أوجدهما من العدم كما قال تعالى: {واسجدوا لله} (فصلت: 37)
أي: الذي له كل كمال من غير شائبة نقص.
واختلف في عود الضمير في قوله تعالى: {الذي خلقهن} على أوجه؛ أولاها: عوده للآيات الأربع كما جرى عليه الجلال المحلي، وقيل: يرجع لليل والنهار والشمس والقمر، قال الزمخشري: لأن حكم جماعة ما لا يعقل حكم الأنثى والإناث، يقال: الأقلام بريتها وبريتهن، وناقشه أبو حيان من حيث أنه لم يفرق بين جمع القلة والكثرة في ذلك لأن الأفصح في جمع القلة أن يعامل معاملة الإناث وفي جمع الكثرة أن يعامل معاملة الأنثى، والأفصح أن يقال: الأجذاع كسرتهن والجذوع كسرتها، وأجاب بعضهم: بأن الزمخشري ليس في مقام بيان الفصيح من الأفصح بل في مقام كيف يجيء الضمير ضمير إناث بعد تقدم ثلاثة أشياء مذكرات وواحد مؤنث والقاعدة تغليب المذكر على المؤنت، وقال البغوي: إنما قال خلقهن بالتأنيث لأنه أجراها على طريق جمع التكسير ولم يجر على طريق التغليب للمذكر على المؤنت.
ولما ظهر أن الكل عبيده وكان السيد لا يرضى بإشراك عبده عبداً آخر في عبادة سيده قال تعالى: {إن كنتم إياه} أي: خاصة بغاية الرسوخ {تعبدون} كما هو صريح قولكم في الدعاء في وقت الشدائد لا سيما في البحر، وفي الآية إشارة إلى الحث على صيانة الآدميين على أن يقع منهم سجود لغيره رفعاً لمقامهم عن أن يكونوا ساجدين لمخلوق بعد أن كانوا مسجوداً لهم، فإنه تعالى أمر الملائكة عليهم السلام الذين هم من أشرف خلقه بالسجود لآدم عليه السلام وهم في ظهره فتكبر إبليس فأبَّد لعنته إلى يوم القيامة.
{فإن استكبروا} أي: أوجدوا التكبر عن اتباعك فيما أمرتهم به من التوحيد فلم ينزهوا الله تعالى عن الشريك {فالذين عند ربك} أي: من الملائكة، قال الرازي: ليس المراد بهذه العندية: قرب المكان بل كما يقال عن الملك من الجند كذا وكذا، ويدل عليه قوله تعالى: «أنا عند ظن عبدي بي» ، {وأنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي} {يسبحون له بالليل والنهار} أي: دائماً لقوله تعالى: {وهم لا يسأمون} أي: لا يملون ولقوله سبحانه وتعالى: {يسبحون الليل والنهار لا يفترون} (الأنبياء: 20) ، فإن قيل: اشتغالهم بهذا العمل على الدوام يمنعهم من الاشتغال بسائر الأعمال مع أنهم ينزلون إلى الأرض كما قال تعالى {نزل به الروح الأمين على قلبك} (الشعراء: 193 ـ 194)
وقال تعالى عن الذين قاتلوا يوم بدر {يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين} (آل عمران: 125)
أجيب: بأن الذين ذكرهم الله تعالى ههنا