ما في النار بقوله تعالى: {لهم فيها} أي: النار {دار الخلد} أي: فإنها دار إقامة، قال الزمخشري: فإن قلت ما معنى قوله: {لهم فيها دار الخلد} قال: قلت: إن النار في نفسها دار الخلد كقوله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} (الأحزاب: 21)
أي: الرسول هو نفس الأسوة.
وقال البيضاوي: هو كقولك في هذه الدار دار سرور يعني بالدار عينها على أن المقصود هو الصفة قال ابن عادل: في هذا نظر إذ الظاهر وهو معنى صحيح منقول أن في النار داراً تسمى دار الخلد والنار محيطة بها وهذا أولى، وقوله تعالى: {جزاءً} منصوب بالمصدر الذي قبله وهو {جزاء أعداء الله} والمصدر ينصب بمثله كقوله تعالى: {فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفوراً} (الإسراء: 63)
{بما كانوا بآياتنا} أي: على ما لنا من العظمة {يجحدون} أي: يلغون في القراءة وسماه جحداً لأنهم لما علموا أن القرآن بالغ إلى حد الإعجاز خافوا من أنه لو سمعه الناس لآمنوا فاستخرجوا تلك الطريقة الفاسدة، وذلك يدل على أنهم علموا كونه معجزاً وأنهم جحدوا حسداً.
ولما بين تعالى أن الذي حملهم على الكفر الموجب للعذاب الشديد مجالسة قرناء السوء بين ما يقولون في النار بقوله تعالى:
{وقال الذين كفروا} أي: غطوا أنوار عقولهم داعين بما لا يسمع لهم فهو زيادة في عقوبتهم وحكايته لها وعظ وتحذير {ربنا} أي: يا أيها الذي لم يقطع قط إحسانه عنا {أرنا} الصنفين {اللذين أضلانا} أي: عن المنهج الموصل إلى محل الرضوان {من الجن والإنس} لأن الشيطان على ضربين جني وإنسي، قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن} (الأنعام: 112)
وقال تعالى: {الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس} (الناس: 5 ـ 6)
وقيل: هما إبليس وقابيل بن آدم الذي قتل أخاه، لأن الكفر سنه إبليس، والقتل بغير حق سنه قابيل، فهما سنا المعصية، وقرأ ابن كثير والسوسي، وابن عامر وشعبة بسكون الراء من أرنا، واختلس الدوري كسر الراء، وكسرها الباقون، وشدد ابن كثير النون من اللذين {نجعلهما تحت أقدامنا} في النار إذلالاً لهما كما جعلانا تحت أمرهما {ليكونا من الأسفلين} قال مقاتل: أسفل منافي النار، وقال الزجاج: ليكونا في الدرك الأسفل من النار أي: من أهل الدرك الأسفل وممن هودوننا كما جعلانا كذلك في الدنيا في حقيقة الحال باتباعنا لهما، وقال بعض الحكماء: المراد باللذين أضلانا: الشهوة والغضب، والمراد بجعلهما تحت أقدامهم: كونهما مسخرين للنفس مطيعين لها وأن لا يكونا مستوليين عليها ظاهرين عليها.
ولما ذكر تعالى الوعيد أردفه بذكر الوعد كما هو الغالب فقال تعالى:
{إن الذين قالوا} أي: قولاً حقيقياً مذعنين به بالجنان وناطقين باللسان تصديقاً لداعي الله تعالى في الدنيا {ربنا} أي: المحسن إلينا {الله} أي: المختص بالجلال والإكرام وحده لا شريك له، وثم في قوله تعالى: {ثم استقاموا} لتراخي الرتبة في الفضيلة فإن الثبات على التوحيد ومصححاته إلى الممات أمر في علو رتبته لا يرام إلا بتوفيق ذي الجلال والإكرام.
سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن الاستقامة فقال: أن لا تشرك بالله شيئاً، وقال عمر رضي الله عنه، الاستقامة: أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تروغ روغان الثعلب. وقال عثمان رضي الله عنه: أخلصوا العمل لله، وقال علي رضي الله عنه: أدوا الفرائض، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: استقاموا على أمر الله تعالى بطاعته