يحملونه على المخالفات ويدعونه إليها، ومن ذلك الشيطان، وشر منه النفس وبئس القرين، تدعو اليوم إلى ما فيه الهلاك وتشهد غداً عليه، وإذا أراد الله بعبده خيراً قيض الله له قرناء خير يعينونه على الطاعة ويحملونه عليها ويدعونه إليها.

وروي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أراد الله بعبد شراً قيض له قبل موته شيطاناً فلا يرى حسناً إلا قبحه عنده ولا قبيحاً إلا حسنه عنده» . وعن عائشة: إذا أراد الله بالوالي خيراً قيض له وزير صدق إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه، وإن أراد غير ذلك جعل له وزير سوء إن نسي لم يذكره وإن ذكر لم يعنه، وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، والمعصوم من عصمه الله تعالى» .

تنبيه: في الآية دلالة على أنه تعالى يريد الكفر من الكافرين لأنه تعالى قيض لهم قرناء سوء فزينوا لهم الباطل، وهذا يدل على أنه تعالى أراد منهم الكفر ولكن لا يرضاه كما قال تعالى: {ولا يرضى لعباده الكفر} (الزمر: 7)

{وحق} أي: وجب وثبت {عليهم القول} أي: كلمة العذاب، وقرأ أبو عمرو في الوصل بكسر الهاء والميم، وحمزة والكسائي بضم الهاء والميم، والباقون بكسر الهاء وضم الميم وقوله تعالى: {في أمم} محله نصب على الحال من الضمير في عليهم أي: حق عليهم القول كائنين في جملة أمم كثيرة، وفي بمعنى مع {قد خلت} أي: لم تتعظ أمة منهم بالأخرى {من قبلهم} أي: في الزمان {من الجن والأنس} قد عملوا مثل أعمالهم، وقوله تعالى: {إنهم} أي: جميع المذكورين منهم وممن قبلهم {كانوا خاسرين} تعليل لاستحقاقهم العذاب وقوله تعالى:

{وقال الذين كفروا} أصله وقالوا أي: المعرضون، ولكنه قال ذلك تنبيهاً على الوصف الذي أوجب إعراضهم {لا تسمعوا} أي: شيئاً من مطلق السماع {لهذا القرآن} وعينوه بالإشارة احترازاً عن غيره من الكتب القديمة كالتوراة، قال القشيري: لأنه مقلب القلوب وكل من استمع له صبا إليه {والغوا} أي: اهزؤوا {فيه} أي: اجعلوه ظرفاً للغو بأن تكثروا من الخرافات والهذيانات واللغط واللغو والتصدية أي: التصفير والتصفيق وغيرها، وقال ابن عباس: كان بعضهم يعني قريشاً يعلم بعضاً إذا رأيتم محمداً يقرأ فعارضوه بالرجز والشعر، واللغو: هو من باب لغي بالكسر يلغى بالفتح إذا تكلم بما لا فائدة فيه {لعلكم تغلبون} أي: ليكون حالكم حال من يرجى له أن يغلب ويظفر بمراده في أن لا يميل إليه أحد وسكت ونسي ما كان يقول، وهذا يدل على أنهم عارفون بأن من يسمعه مال إليه وأقبل بكليته عليه وقد فضحوا أنفسهم بهذا فضيحة لا مثل لها.

{فلنذيقن الذين كفروا} أظهر في موضع الإضمار إذ أصله فلنذيقنهم، لكنه أظهر تعميماً وتعليقاً بالوصف {عذاباً شديداً} في الدنيا بالحرمان وما يتبعه من فنون الهوان، وفي الآخرة بالنيران {ولنجزينهم} أي: بأعمالهم {أسوأ} أي: سوء العمل {الذي كانوا يعملون} أي: مواظبين عليه.

{ذلك} أي: الجزاء الأسوأ العظيم جداً {جزاء أعداء الله} أي: الملك الأعظم، ثم بينه بقوله تعالى: {النار} وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو في الوصل بإبدال الهمزة الثانية المفتوحة واواً خالصة، والباقون بتحقيقهما، وأما الابتداء بالثانية فالجميع بالتحقيق، ثم فصّل بعض

طور بواسطة نورين ميديا © 2015