والكره قال: طائعين في موضع طائعات نحو قوله ساجدين.
تنبيه: جمع الأمر لهما في الإخبار لا يدل على جمعه في الزمان بل قد يكون القول لهما متعاقباً، فإن قيل: إن الله تعالى أمر السماء والأرض فأطاعتا كما أن الله تعالى أنطق الجبال مع داود عليه السلام فقال تعالى: {يا جبال أوّبي معه والطير} (سبأ: 10)
وأنطق الأيدي والأرجل فقال تعالى: {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} (النور: 24)
وقوله تعالى: {وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء} (فصلت: 21)
وإذا كان كذلك فكيف يستبعد أن يخلق الله تعالى في ذات السموات والأرض حياة وعقلاً ثم يوجه الأمر والتكليف عليهما؟.
ووجه هذا بوجوه؛ الأول: أن الأصل حمل اللفظ على ظاهره إلا أن يمنع منه مانع وههنا لا مانع، الثاني: أنه تعالى جمعها جمع العقلاء فقال تعالى: {قالتا آتينا طائعين} الثالث: قوله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها} (الأحزاب: 72)
وهذا يدل على كونها عارفة بالله تعالى عالمة بتوجه تكليف الله تعالى، وأجاب الرازي عن هذا: بأن المراد من قوله تعالى: {ائتيا طوعاً أو كرهاً} الاتيان إلى الوجود والحدوث والحصول وعلى هذا التقدير، فحال توجه هذا الأمر كانت السموات والأرض معدومة إذ لو كانت موجودة لم يجز، فثبت أن حال توجه هذا الأمر كانت السموات والأرض معدومة وإذا كانت معدومة لم تكن عارفة ولا فاهمة للخطاب فلم يجز توجه الأمر إليها.
فإن قيل: روى مجاهد وطاووس عن ابن عباس أنه قال: قال الله للسموات والأرض: أخرجا ما فيكما من المنافع لمصالح العباد أما أنت يا سماء فاطلعي شمسك وقمرك ونجومك، وأنت يا أرض فشقي أنهارك وأخرجي ثمارك ونباتك وقال لهما: افعلا ما أمرتكما طوعاً وإلا ألجأتكما إلى ذلك حتى تفعلاه، وعلى هذا لا يكون المراد من قوله {أتينا طائعين} حدوثهما في ذاتهما، بل يصير المراد من هذا الأمر أن يظهر ما كان مودعاً فيهما؟ أجيب: بأن هذا لم يثبت لأنه تعالى قال:
{فقضاهن} أي: خلقهن خلقاً إبداعياً {سبع سموات} وهذا يدل على أن حصول السماء إنما حصل بعد قوله ائتيا طوعاً أو كرهاً.
تنبيه: الضمير للسماء على المعنى كما قال تعالى: {طائعين} ونحوه {أعجاز نخل خاوية} (الحاقة: 7)
ويجوز أن يكون ضميراً مبهماً مفسراً بسبع سموات، وسبع سموات حال على الأول، وتمييز على الثاني، وقوله تعالى: {في يومين} قال أهل الأثر: إن الله تعالى خلق الأرض يوم الأحد والاثنين وخلق سائر ما في الأرض يوم الثلاثاء والأربعاء وخلق السموات وما فيها في يوم الخميس والجمعة وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة فخلق آدم عليه السلام وهي الساعة التي تقوم فيها القيامة، ولذلك لم يقل هنا سواء ووافق هذا آيات خلق السموات والأرض في ستة أيام، وعن ابن عباس رضي الله عنه: «أن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن خلق السموات والأرض فقال: خلق الله الأرض يوم الأحد والاثنين، وخلق الجبال وما فيهن من المنافع يوم الثلاثاء، وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمعايش والعمران والخراب فهذه أربعة، وخلق يوم الخميس السماء، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقين