بسواء بمعنى مستويات للسائلين، ثانيها: أنه متعلق بقدر أي: قدر فيها أقواتها لأجل الطالبين لها المحتاجين المقتاتين، ثالثها: أنه متعلق بمحذوف، كأنه قيل: هذا الحصر لأجل من سأل في كم خلقت الأرض وما فيها.
ولما كانت السموات أعظم من الأرض في ذاتها باتساعها وزينتها ودوران أفلاكها وارتفاعها، نبه على ذلك بالتعبير بأداة التراخي ولفظ الاستواء وحرف الغاية الدال على عظم الغاية فقال تعالى:
{ثم استوى} أي: قصد قصداً، هو القصد منتهياً قصده {إلى السماء وهي} أي: والحال أنها {دخان} قال المفسرون: هذا الدخان بخار الماء وذلك أن عرش الرحمن كان على الماء قبل خلق السموات والأرض كما قال تعالى: {وكان عرشه على الماء} (هود: 7)
ثم إن الله تعالى أحدث في ذلك الماء اضطراباً فأزبد وارتفع فخرج منه دخان فأما الزبد فبقي على وجه الماء فخلق منه اليبوسة وأحدث منه الأرض وأما الدخان فارتفع وعلا فخلق منه السموات، فإن قيل: هذه الآية مشعرة بأن خلق الأرض كان قبل السموات وقوله تعالى: {والأرض بعد ذلك دحاها} (النازعات: 30)
مشعر بأن خلق الأرض بعد خلق السموات وذلك يوجب التناقض؟.
أجيب: بأن المشهور أنه تعالى خلق الأرض أولاً ثم خلق بعدها السموات ثم بعد خلق السماء دحا الأرض ومدها حينئذ فلا تناقض، قال الرازي: وهذا الجواب مشكل لأن الله تعالى خلق الأرض في يومين، ثم إنه في اليوم الثالث جعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها، وهذه الأحوال لا يمكن إدخالها في الوجود إلا بعد أن صارت الأرض منبسطة، ثم إنه تعالى قال بعد ذلك ثم استوى إلى السماء فهذا يقتضي أن الله تعالى خلق السماء بعد خلق الأرض وبعد أن جعلها مدحوة وحينئذ يعود السؤال ثم قال: والمختار عندي أن يقال: خلق السماء مقدم على خلق الأرض وتأويل الآية أن يقال الخلق ليس عبارة عن التكوين والإيجاد والدليل عليه قوله تعالى: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} (آل عمران: 59)
فلو كان الخلق عبارة عن الإيجاد والتكوين لصار تقدير الآية أوجده من تراب ثم قال له كن فيكون وهذا محال، فثبت أن الخلق ليس عبارة عن الإيجاد والتكوين بل عبارة عن التقدير، والتقدير في حق الله تعالى هو: كلمته بأن سيوجده، وإذا ثبت هذا فنقول قوله تعالى: {خلق الأرض في يومين} : معناه: أنه قضى بحدوثها في يومين وقضاء الله تعالى أنه سيحدث كذا في مدة كذا لا يقتضي حدوث ذلك الشيء في الحال فقضاء الله تعالى بحدوث الأرض في يومين قد تقدم على إحداث السماء حينئذ يزول السؤال. {فقال لها} أي: السماء عقب الاستواء {وللأرض ائتيا} أي: تعاليا وأقبلا منقادتين وقوله تعالى: {طوعاً أو كرهاً} مصدران في موضع الحال أي: طائعتين أو كارهتين {قالتا أتينا} أي: نحن وما فينا وما بيننا {طائعين} أي: أتينا على الطوع لا على الكره، والغرض تصوير أثر قدرته في المقدورات لا غير من غير أن يحقق شيئاً من الخطاب والجواب، ونحو ذلك قول القائل: قال الجدار للوتد لم تشقني قال الوتد سل من يدقني، فإن قيل: هلا قال طائعتين على اللفظ أو طائعات على المعنى لأنهما سموات وأرضون؟ أجيب: بأنه لما جعلهن مخاطبات ومجيبات ووصفهن بالطوع