أي: الذي لا يصح في الحكمة تركه {ترى} أي: أيها المحسن {الذين كذبوا على الله} أي: الحائز لجميع صفات الكمال بنسبة الشريك والولد إليه، وقال الحسن: هم الذين يقولون إن شئنا فعلنا وإن شئنا لم نفعل، قال البقاعي: وكأنه عنى من المعتزلة الذين اعتزلوا مجلسه وابتدعوا قولهم إنهم يخلقون أفعالهم قال: ويدخل فيه من تكلم في الدين بجهل وكل من كذب وهو يعلم أنه كاذب في أي شيء كان، فإنه من حيث إن فعله فعل من يظن أن الله تعالى لا يعلم كذبه أي: ولا يقدر على جزائه كأنه كذب على الله وقوله تعالى: {وجوههم مسودة} جملة من مبتدأ وخبر في محل نصب على الحال من الموصول لأن الرؤية بصرية وقيل: في محل نصب مفعولاً ثانياً لأن الرؤية قلبية، ورد بأن تعلق الرؤية البصرية بالأجسام وألوانها أظهر من تعلق القلبية بهما، وذكر أن هذا السواد مخالف لسائر أنواع السواد {أليس في جهنم مثوى} أي: مأوى {للمتكبرين} أي: الذين تكبروا على اتباع أمر الله تعالى وهو تقرير لأنهم يرونه كذلك.
ولما ذكر الله تعالى الذين أشقاهم أتبعهم حال الذين أسعدهم بقوله تعالى:
{وينجي الله} أي: يفعل بما له من صفات الكمال في نجاتهم فعل المبالغ في ذلك {الذين اتقوا} أي: بالغوا في وقاية أنفسهم من غضبه فكما وقاهم في الدنيا من المخالفات حماهم هنا من العقوبات {بمفازتهم} أي: بسبب فلاحهم لأن العمل الصالح سبب الفلاح وهو دخول الجنة، ويجوز أن يسمى العمل الصالح في نفسه مفازة لأنه سببها، وقرأ حمزة والكسائي وشعبة بألف بعد الزاي جمعاً على أن لكل متق مفازة، والباقون بغير ألف بعد الزاي إفراداً وقوله تعالى {لا يمسهم السوء} جملة مفسرة لمفازتهم كأنه قيل: وما مفازتهم؟ فقال: لا يمسهم السوء فلا محل لها، ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال من الذين اتقوا، ومعنى الكلام لا يمسهم مكروه {ولا هم يحزنون} أي: ولا يطرق بواطنهم حزن على فائت لأنه لا يفوت لهم شيء أصلاً.
ولما كان المخوف منه والمحزون عليه جامعين لكل ما في الكون فكان لا يقدر على دفعهما إلا القادر المبدع القيوم قال تعالى مستأنفاً أو معللاً، مظهراً الاسم الأعظم تعظيماً للمقام:
{الله} أي: المحيط بكل شيء قدرة وعلماً والذي نجاهم {خالق كل شيء} أي: من خير وشر وإيمان وكفر فلا يكون شيء أصلاً إلا بخلقه.
ولما دل هذا على القدرة الشاملة وكان لا بد معها من العلم الكامل قال تعالى: {وهو على كل شيء} أي: مع القهر والغلبة {وكيل} أي: حفيظ لجميع ما يريده قيوم لا عجز يلم بساحته ولا غفلة وقوله تعالى:
{له مقاليد السموات والأرض} جملة مستأنفة والمقاليد جمع مقلاد مثل مفتاح ومفاتيح أو مقليد مثل منديل ومناديل أي: هو مالك أمرها وحافظها وهي من باب الكناية لأن حافظ الخزائن ومدبر أمرها هو الذي يملك مقاليدها، ومنه قولهم فلان ألقيت إليه مقاليد الملك وهي المفاتيح والكلمة أصلها فارسية، فإن قيل: ما للكتاب المبين والفارسية؟ أجيب: بأن التعريب قد أحالها عربية كما أخرج استعمال المهمل عن كونه مهملاً، قال الزمخشري: «سأل عثمان النبي صلى الله عليه وسلم عن تفسير قوله تعالى: {له مقاليد السموات والأرض} فقال: يا عثمان ما سألني أحد عنها قبلك تفسيرها لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله