وقال سعيد بن جبير: في حق الله وقيل: ضيعت في ذات الله، وقيل: معناه قصرت في الجانب الذي يؤدي إلى رضا الله تعالى والعرب تسمي الجانب جنباً، قال في «الكشاف» : هذا من باب الكناية لأنك إذا أثبت الأمر في مكان الرجل وحيزه فقد أثبته فيه ألا ترى إلى قول الشاعر:
*إن السماحة والمروءة والندى ... في قبة ضربت على ابن الحشرج*
أي: فإنه لم يصرح بثبوت هذه الصفات المذكورة لابن الحشرج بل كنى عن ذلك في قبة مضروبة عليه فأفاد اثباتها له، والقبة تكون فوق الخيمة تتخذها الرؤساء، وقرأ حمزة والكسائي بالإمالة محضة والدوري عن أبي عمرو بين بين وورش بالفتح وبين اللفظين والباقون بالفتح {وإن} أي: والحال إني {كنت} أي: كان ذلك في طبعي {لمن الساخرين} أي: المستهزئين المتكبرين المنزلين أنفسهم في غير منزلتها وذلك أنه ما كفاني المعصية حتى كنت أسخر من أهل الطاعة أي: تقول هذا لعله يقبل منها ويعفى عنها على عادة المعترفين في وقت الشدائد لعلهم يعاودون إلى أجمل العوائد. الثاني من الكلمات التي حكاها الله تعالى عنهم بعد نزول العذاب عليهم: ما ذكره الله تعالى بقوله سبحانه:
{أو تقول} أي: تلك النفس المفرطة {لو أن الله} أي: الذي له القدرة الكاملة والعلم الشامل {هداني} أي: لبيان الطريق {لكنت من المتقين} أي: الذين لا يقدمون على فعل إلا ما يدلهم عليه دليل. الثالث من الكلمات ما ذكره الله تعالى بقوله سبحانه:
{أو تقول} أي: تلك النفس المفرطة {حين ترى العذاب} أي: الذي واجهها عياناً {لو أن} أي: يا ليت {لي كرة} أي: رجعة إلى دار العمل {فأكون} أي: يتسبب عن رجوعي إليها أن أكون {من المحسنين} أي: العاملين بالإحسان الذي دعا إليه القرآن.
تنبيه: في نصب فأكون وجهان أحدهما: عطفه على كرة فإنها مصدر فعطف مصدر مؤول على مصدر مصرح به كقولها:
*للبس عباءة وتقر عيني ... أحب إلي من لبس الشفوف*
والثاني: أنه منصوب على جواب التمني المفهوم من قوله تعالى: {لو أن لي كرة} والفرق بين الوجهين أن الأول: يكون فيه الكون متمنى ويجوز أن تضمر أن وأن تظهر، والثاني: يكون فيه الكون مترتباً على حصول المتمنى لا متمنى ويجب أن تضمر أن. ثم أجاب الله تعالى هذا القائل بقوله سبحانه:
{بلى قد جاءتك أياتي} أي: القرآن وهي سبب الهداية {فكذبت بها} أي: قلت ليست من عند الله {واستكبرت} أي: تكبرت عن الإيمان بها {وكنت من الكافرين} .
فإن قيل: هلا قرن الجواب بما هو جواب له وهو قوله: {لو أن الله هداني} (الزمر: 57)
ولم يفصل بينهما؟ أجيب: بأنه لا يخلو إما أن يقدم على أخرى القرائن الثلاث فيفرق بينهن وإما أن تؤخر القرينة الوسطى، فلم يحسن الأول لما فيه من تبتير النظم بالجمع بين القرائن، وأما الثاني فيه من نقض الترتيب وهو التحسر على التفريط في الطاعة ثم التعلل بفقد الهداية، ثم تمنى الرجعة فكان الصواب ما جاء عليه وهو أنه حكى أقوال النفس على ترتيبها ونظمها ثم أجاب من بينها عما اقتضى الجواب، فإن قيل: كيف صح أن تقع بلى جواباً لغير منفي؟ أجيب: بأن قوله {لو أن الله هداني} بمعنى ما هديت.
{ويوم القيامة}