ظلموا} أي أنفسهم بالكفر {ما في الأرض جميعاً} أي: من الأموال {ومثله معه لا افتدوا} أي: اجتهدوا في طلب أن يفدوا أنفسهم {به من سوء العذاب يوم القيامة} وهذا وعيد شديد وإقناط كلي لهم من الخلاص روى الشيخان عن أنس: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى لأهون أهل النار عذاباً لو أن لك ما في الأرض من شيء لكنت تفتدي به فيقول: نعم فيقول الله: قد أردت منك وفي رواية سألتك أهون من هذا وأنت في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئاً فأبيت إلا أن تشرك بي شيئاً» قوله أردت أي: فعلت معك فعل الآمر المريد وهو معنى قوله في رواية قد سألتك.
ثانيها: قوله تعالى: {وبدا لهم من الله} أي: الملك الأعظم {ما لم يكونوا يحتسبون} أي: ظهر لهم أنواع من العذاب لم تكن في حسابهم وفي هذا زيادة مبالغة هو نظير قوله تعالى في الوعد {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين} (السجدة: 17)
وقوله صلى الله عليه وسلم «في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» . وقال مقاتل: ظهر لهم حين بعثوا ما لم يحتسبوا في الدنيا أنه نازل بهم في الآخرة. وقال السدي: ظنوا أن أعمالهم حسنات فبدلت لهم سيئات لأنهم كانوا يتقربون إلى الله تعالى بعبادة الأصنام ويظنونها حسنات فبدت لهم سيئات.
ثالثها قوله تعالى:
{وبدا لهم} أي: ظهر ظهوراً تاماً {سيئات ما كسبوا} أي: مساوئ أعمالهم من الشرك وظلم أولياء الله تعالى {وحاق} أي: نزل {بهم ما كانوا به يستهزؤون} أي: يطلبون ويوجدون الهزء في العذاب ثم حكى الله تعالى عنهم طريقة أخرى من طرائقهم الفاسدة بقوله تعالى:
{فإذا مس الإنسان} أي: الجنس {ضر} أي: فقر أو مرض أو غير ذلك {دعانا} أي: في دفع ذلك، فإن قيل: ما السبب في عطف هذه الآية بالفاء وعطف مثلها في أول السورة بالواو؟ أجيب: بأن السبب في ذلك أن هذه وقعت مسببة عن قوله تعالى: {وإذا ذكر الله وحده اشمأزت} على معنى أنهم يشمئزون عن ذكر الله ويستبشرون بذكر آلهتهم فإذا مس أحدهم ضر دعا من اشمأز من ذكره دون من استبشر بذكره فقوله تعالى: {فإذا مس الإنسان} معطوف على قوله تعالى: {وإذا ذكر الله وحده} وما بينهما اعتراض مؤكد لإنكار ذلك عليهم هذا محصل كلام الزمخشري، واعترضه أبو حيان بأن أبا علي يمنع الاعتراض بجملتين فكيف بهذه الجمل الكثيرة ثم قال: والذي يظهر في الربط أنه لما قال {ولو أن للذين ظلموا} (الزمر: 47)
الآية وكان ذلك إشعاراً بما ينال الظالمين من شدة العذاب وأنه يظهر لهم يوم القيامة العذاب أتبع ذلك بما يدل على ظلمه وبغيه إذ كان إذا مسه ضر دعا الله تعالى فإذا أحسن إليه لم ينسب ذلك إليه كما قال تعالى: {ثم إذا خولناه} أي: أعطيناه {نعمة منا} أي: تفضلاً فإن التحويل يختص به {قال إنما أوتيته} أي: المنعم به {على علم} أي: على علم من الله تعالى إني له أهل. وقيل: إن كان ذلك سعادة في المال أو عافية في النفس يقول: إنما حصل ذلك بجده واجتهاده وإن كان صحة قال: إنما حصل ذلك بسبب العلاج الفلاني وإن حصل مال يقول: حصل بكسبي وهذا تناقض أيضاً لأنه لما كان عاجزاً محتاجاً أضاف الكل إلى الله تعالى، وفي حال السلامة والصحة قطعه عن الله تعالى وأسنده إلى كسب نفسه وهذا تناقض قبيح {بل هي فتنة} أي: بلية يبتلي بها العبد.
فإن قيل: كيف ذكر النعمة أولاً في قوله: {إنما أوتيته}