تعالى: {إذ نادى ربه} بدل من عبدنا بدل اشتمال وأيوب عطف بيان له وقوله: {إني} أي: بأني {مسني الشيطان} أي: المحترق باللعنة البعيد من الرحمة {بِنُصبٍ} أي: بمشقة وضر {وعذاب} أي: ألم جيء به على حكاية كلامه الذي نادى بسببه ولو لم يحكه لقيل: إنه مسه لأنه غائب، وقال قتادة رضي الله عنه: النصب في الجسد والعذاب في المال، واختلف العلماء في هذه الآلام والأسقام الحاصلة في جسده على قولين؛ أحدهما: أنها حصلت بفعل الشيطان، والثاني: أنها حصلت بفعل الله تعالى، والعذاب المضاف في هذه الآية إلى الشيطان وهو عذاب الوسوسة وإلقاء الخواطر الفاسدة، أما تقرير القول الأول فهو ما روي أن إبليس لعنه الله سأل ربه فقال: هل في عبيدك من لو سلطتني عليه يمتنع مني، فقال الله تعالى: نعم عبدي أيوب فجعل يأتيه بوساوسه وهو يرى إبليس عياناً ولا يلتفت إليه، فقال: رب إنه قد امتنع علي فسلطني على ماله فكان الشيطان يجيئه ويقول له: يا أيوب هلك من مالك كذا وكذا، فيقول أيوب له: الله أعطى والله أخذ ثم يحمد الله سبحانه وتعالى، فقال: يا رب إن أيوب لا يبالي بماله فسلطني على جسده فأذن فيه فنفخ في جلد أيوب فحدث أسقام عليه وآلام شديدة فمكث في ذلك البلاء سنين حتى استقذره أهل بلده فخرج إلى الصحراء وما كان يقرب منه أحد فجاء الشيطان إلى امرأته، وقال: إن زوجك إن استغاث بي خلصته من هذا البلاء فذكرت المرأة ذلك لزوجها فحلف بالله لئن عافاه الله تعالى ليجلدنها مائة جلدة وعند هذه الواقعة قال {أني مسني الشيطان بنصب وعذاب} فأجاب الله تعالى دعاءه وأوحى إليه أن {اركض برجلك} إلى آخر الآية.

وأما تقرير القول الثاني: فإن الشيطان لا قدرة له البتة على إيقاع الناس في الأمراض والأسقام ويدل عليه وجوه.

الأول: أنا لو جوزنا حصول الموت والحياة والصحة والمرض من الشيطان فلعل الواحد منا إنما وجد الحياة بفعل الشيطان ولعل ما عندنا من الخيرات والسعادات قد حصل بفعله وحينئذ لا سبيل إلى معرفة من يعطي الحياة والموت والصحة والسقم أهو الله تعالى أم الشيطان.

ثانيها: أن الشيطان لو قدر على ذلك فلم لا يسعى في قتل الأنبياء والأولياء ولم لا يخرب دورهم ولم لا يقتل أولادهم.

ثالثها: أن الله تعالى حكى عن الشيطان أنه قال: {وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي} (إبراهيم: 22)

فصرح بأنه لا قدرة له على البشر إلا بإلقاء الوساوس والخواطر الفاسدة، فدل ذلك على فساد القول بأن الشيطان هو الذي ألقاه في تلك الأمراض.

فإن قيل: لم لا يجوز أن يقال: إن الفاعل لهذه الأحوال هو الله تعالى لكن على وفق التماس الشيطان؟.

أجيب: بأنه إذا كان لابد من الاعتراف بأن خالق تلك الآلام والأسقام هو الله تعالى فأي فائدة في جعل الشيطان واسطة في ذلك بل الحق أن المراد بقوله: {أني مسني الشيطان بنصب وعذاب} أنه بسبب إلقاء الوساوس الفاسدة كاد يلقيه في أنواع العذاب، والقائلون بهذا القول اختلفوا في أن تلك الوساوس كيف كانت وذكروا أوجهاً؛ أولها: أن علته كانت شديدة الألم ثم طالت تلك العلة واستقذره الناس ونفروا عن مجاورته ولم يبق له مال البتة وامرأته كانت تخدم الناس وتحصل له قدر القوت ثم بلغت نفرة الناس عنه إلى أن منعوا امرأته من الدخول

طور بواسطة نورين ميديا © 2015