روي أن رجلين خرجا يقصدان رؤبة يسألانه عن معنى: أصاب فقال لهما: أين تصيبان؟ فعرفا، وقالا: هذا بغيتنا. وقوله تعالى:
{والشياطين} عطف على الريح، وقوله تعالى: {كل بناءٍ} بدل من الشياطين كانوا يبنون له ما شاء من الأبنية، روي أن سليمان عليه السلام أمر الجان فبنت له اصطخر وكان فيها قرار مملكة الترك قديماً وبنت له الجان أيضاً تدمر وبيت المقدس وباب جيرون وباب البريد اللذين بدمشق على أحد الأقوال، وبنوا له ثلاثة قصور باليمن غمدان وسلحين ويبنون ومدينة صنعاء، وقوله تعالى: {وغواصٍ} عطف على بناء أي: يغوصون له في البحر يستخرجون اللؤلؤ وهو أول من استخرج اللؤلؤ من البحر، وقوله تعالى:
{وآخرين مقرنين} أي: مشدودين {في الأصفاد} أي: القيود بجمع أيديهم إلى أعناقهم عطف على كل فهو داخل في حكم البدل، فكأنه فصل الشياطين إلى عملة استعملهم في الأعمال الشاقة كالبناء والغوص ومردة قرن بعضهم مع بعض في السلاسل ليكفوا عن الشر، فإن قيل: أجسامهم إما أن تكون كثيفة أو لطيفة فإن كانت كثيفة وجب أن يراها صحيح الحاسة وإن كانت لطيفة فلا تقوى على العمل ولا يمكن تقرينها؟ أجيب: بأن أجسامهم شفافة صلبة فلا ترى وتقوى على العمل ويمكن تقرينها، أو أن المراد: تمثيل كفهم عن الشرور بالإقتران في الصفد وهو القيد ويسمى به العطاء لأنه يربط المنعم عليه وفرقوا بين فعل الصفد بمعنى القيد وفعله بمعنى العطاء فقالوا: صفده قيده وأصفده أعطاه عكس وعد وأوعد في الخير والشر في ذلك نكتة وهي: أن القيد ضيق فناسبه تقليل حروف فعله والعطاء واسع فناسبه تكثير حروف فعله، والوعد خير وهو خفيف فناسبه تقليل حروفه، والإيعاد شر وهو ثقيل فناسبه تكثير حروفه.
{هذا} أي: وقلنا هذا الأمر الكبير {عطاؤنا} أي: على ما لنا من العظمة {فامنن أو أمسك} قال ابن عباس رضي الله عنهما: أعط من شئت وامنع من شئت، قال المفسرون: أي: لا حرج عليك فيما أعطيت وفيما أمسكت، وقال الحسن: ما أنعم الله تعالى على أحد نعمة إلا عليه تبعة إلا سليمان عليه السلام فإنه إن أعطى أجر وإن لم يعط لم يكن عليه تبعة، وقال مقاتل: هذا في أمر الشياطين يعني خل من شئت منهم وأمسك من شئت في وثاقك لا تبعة عليك فيما تتعاطاه وقوله تعالى {بغير حساب} فيه ثلاثة أوجه؛ أحدها: أنه متعلق بعطاؤنا أي: أعطيناك بغير حساب ولا تقدير وهو دال على كثرة الإعطاء، ثانيها: أنه حال من عطاؤنا أي: في حال كونه غير محاسب عليه لأنه جم كثير يعسر على الحاسب ضبطه، ثالثها: أنه متعلق بامنن أو أمسك ويجوز أن يكون حالاً من فاعلهما أي: غير محاسب عليه.
ولما ذكر تعالى ما أنعم عليه به في الدنيا أتبعه بما أنعم عليه به في الآخرة بقوله سبحانه وتعالى:
{وإن له عندنا} أي: في الآخرة مع ما له من الملك العظيم في الدنيا {لزلفى} أي: قربى عظيمة {وحسن مآب} وهو الجنة.
القصة الثالثة قصة أيوب عليه السلام المذكورة في قوله تعالى:
{واذكر عبدنا} أي: الذي هو أهل للإضافة إلى جنابنا ويبدل منه {أيوب} وهو ابن الروم بن عيص بن اسحق وامرأته ليا بنت يعقوب عليهما السلام وقوله