قيل: المراد بالصيحة عذاب يفجؤهم ويجيئهم دفعة واحدة كما يقال: صاح الزمان بهم إذا هلكوا قال الشاعر:

*صاح الزمان بآل برمك صيحة ... خروا لشدتها على الأذقان*

ونظيره قوله تعالى: {فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم} (يونس: 102)

الآية. وقرأ حمزة والكسائي: {ما لها} أي: الصيحة {من فواق} بضم الفاء، والباقون بفتحها، وهما لغتان بمعنى واحد وهو الزمان الذي بين حلبتي الحالب ورضعتي الراضع والمعنى: ما لها من توقف قدر فواق ناقة، وفي الحديث: «العبادة قدر فواق ناقة» وهذا في المعنى كقوله تعالى: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} (الأعراف: 34)

وقال ابن عباس: ما لها من رجوع من أفاق المريض إذا رجع إلى صحته وإفاقة الناقة ساعة يرجع اللبن إلى ضرعها يقال: أفاقت الناقة تفيق إفاقة، رجعت واجتمعت الفيقة في ضرعها، والفيقة اللبن الذي يجتمع بين الحلبتين، وهو أن يحلب الناقة ثم يترك ساعة حتى يجتمع اللبن فما بين الحلبتين فواق أي: العذاب لا يمهلهم بذلك القدر.

{وقالوا} أي: كفار مكة استهزاءً لما نزل قوله تعالى في الحاقة: {فأما من أوتي كتابه بيمينه} (الحاقة: 19)

{وأما من أوتي كتابه بشماله} (الحاقة: 25)

{ربنا} أي: يا أيها المحسن إلينا {عجل لنا قطنا} أي: كتاب أعمالنا في الدنيا {قبل يوم الحساب} وقال سعيد بن جبير: يعنون حظنا ونصيبنا من الجنة التي تقول، وقال مجاهد والسدي: يعنون عقوبتنا ونصيبنا من العذاب، قال عطاء: قاله النضر ابن الحارث وهو قوله: {إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء} (الأنفال: 32)

وقال مجاهد: قطنا حسابنا، يقال لكتاب الحساب: قط، وقال أبو عبيدة والكسائي: القط الكتاب بالجوائز ويجمع على قطوط وقططة، كقرد وقرود وقردة، وفي القلة على أقطة وأقطاط، كقدح وأقدحة وأقداح، إلا أن أفعلة في فعل شاذ.

ولما أن القوم تعجبوا من أمور ثلاثة أولها: من أمر النبوات وإثباتها كما قال تعالى: {وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب} (ص: 4)

وثانيها: تعجبهم من الإلهيات فقالوا {أجعل الآلهة إلهاً واحداً} وثالثها: تعجبهم من المعاد والحشر والنشر فقالوا: {ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب} قالوا ذلك استهزاء أمر الله تعالى نبيه عليه السلام بالصبر فقال سبحانه:

وأشار بحرف الاستعلاء إلى عظيم الصبر فقال {على ما يقولون} أي: على ما يقول الكافرون من ذلك، ثم إنه تعالى لما أمر نبيه بالصبر ذكر قصص الأنبياء عليهم السلام تسلية له فكأنه تعالى قال: فاصبر على ما يقولون واعتبر بحال سائر الأنبياء ليعلمه أن كل واحد منهم كان مشغولاً بهم خاص، وحزن خاص، فيعلم حينئذ أن الدنيا لا تنفك عن الهموم والأحزان وأن استحقاق الدرجات العالية عند الله تعالى لا يحصل إلا بتحمل المشاق والمتاعب في الدنيا.

وبدأ من ذلك بقصة داود عليه السلام فقال تعالى: {واذكر عبدنا} أي: الذي أخلصناه لنا وأخلص نفسه للنظر إلى عظمتنا والقيام في خدمتنا وأبدل منه أو بينه بقوله تعالى: {داود ذا الأيد} قال ابن عباس: أي: القوة في العبادة، روي عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أحب الصيام إلى الله تعالى صيام داود وأحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه» وقيل: ذا القوة في الملك ووصفه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015