عليها في أوائل البقرة، وهنالك صفة لجند وكذلك مهزوم ومن الأحزاب ثم قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم معزياً له عليه السلام:
{كذبت} أي: مثل تكذيبهم {قبلهم قوم نوحٍ} أنث قوم باعتبار المعنى واستمروا على عزتهم وشقاقهم إلى أن رأوا الماء قد أخذهم ولم يسمحوا بالإذعان ولا بالتضرع إلى نوح عليه السلام {وعادٌ} سماهم بالاسم المنبه على ما كان لهم من المكنة بالملك واستمروا في شقاقهم إلى أن خرجت عليهم الريح العقيم ورأوها تحمل الإبل فيما بين السماء والأرض وهم لا يذعنون لما دعاهم إليه هود عليه السلام {وفرعونُ ذو الأوتاد} كانت له أوتاد يعذب الناس عليها وكان إذا غضب على أحد مده مستلقياً بين أربعة أوتاد يشد كل يد وكل رجل منه إلى سارية وتركه كذلك في الهواء بين السماء والأرض حتى يموت، وقال مجاهد: كان يمد الرجل مستلقياً بين أربعة أوتاد على الأرض يشد رجليه ويديه ورأسه على الأرض بالأوتاد، قال السدي: كان يشد الرجل بالأوتاد ويرسل عليه العقارب والحيات، وقال ابن عباس: ذو البناء المحكم، وقيل: ذو الملك الشديد الثابت، وقال العتبي: تقول العرب: هم في عز ثابت الأوتاد يريدون أنه دائم شديد قال الأسود بن يعقوب:
*ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة ... في ظل ملك ثابت الأوتاد
وقال الضحاك: ذو القوة والبطش، وقال عطية: ذو الجموع والجنود الكثيرة لأنهم كانوا يقوون أمره ويشدون ملكه كما يقوي الوتد الشيء، والأوتاد جمع وتد وفيه لغات وتد بفتح الواو وكسر التاء وهو الفصحى، ووتد بفتحتين، وودّ بإدغام التاء في الدال.
{وثمود} واستمروا فيما هم فيه إلى أن رأوا علامات العذاب من صفرة الوجوه ثم حمرتها ثم سوادها ولم يكن في ذلك زاجر يردهم عن عزتهم وشقاقهم {وقوم لوط} أي: الذين لهم قوة القيام بما يحاولونه واستمروا في عزتهم وفي شقاقهم حتى ضربوا بالعشاء وطمس الأعين ولم يقدروا على الوصول إلى ما أرادوا من الدخول إلى بيت لوط عليه السلام ولم يردهم ذلك عن عزتهم وشقاقهم {وأصحاب الأيكة} أي: الغيضة، وهم قوم شعيب عليه الصلاة والسلام {أولئك الأحزاب} أي: المتحزبون على الرسل عليهم السلام الذين خص الجند المهزوم منهم، وقيل: المعنى أولئك الأحزاب مبالغة في وصفهم بالقوة كما يقال: فلان هو الرجل أي: أولئك الأحزاب مع كمال قوتهم لما كان عاقبتهم هي الهلاك والبوار فكيف حال هؤلاء الضعفاء المساكين إذا نزل عليهم العذاب، وفي الآية زجر وتخويف للسامعين.
{إن} أي: ما {كل} أي: من الأحزاب {إلا كذب الرسل} أي: لأنهم إذا كذبوا واحداً منهم فقد كذبوا جميعهم لأن دعوتهم واحدة وهي دعوة التوحيد {فحق عقاب} أي: فوجب عليهم ونزل بهم عذابي.
ثم بين تعالى أن هؤلاء المكذبين وإن تأخر هلاكهم فكأنه واقع بهم فقال تعالى:
{وما ينظر} وحقرهم بقوله تعالى: {هؤلاء} أي: وما ينتظر كفار مكة {إلا صيحة واحدة} وهي نفخة الصور الأولى، كقوله تعالى: {ما ينظرون إلا صيحةً واحدةً تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية} (يس: 50)
الآية والمعنى: أنهم وإن لم يذوقوا عذابي في الدنيا فهو معدٌّ لهم يوم القيامة، فجعلهم منتظرين لها على معنى قربها منهم كالرجل الذي ينتظر الشيء فهو ماد الطرف إليه يقطع كل ساعة بحضوره،