والمطلوب استسلامهما لأمر الله تعالى وقد فعل، اوقيل: كان قد رأى في النوم معالجة الذبح ولم ير إراقة الدم وقد فعل في اليقظة ما رآه في النوم، ولذلك قال: {قد صدقت الرؤيا} قال المحققون: السبب في هذا التكليف كمال طاعة إبراهيم لتكاليف الله تعالى فلما كلفه الله تعالى بهذه التكاليف الشاقة الشديدة وظهر منه كمال الطاعة والانقياد لا جرم قال الله تعالى: {قد صدقت الرؤيا} وقوله تعالى: {إنا كذلك نجزي المحسنين} ابتداء إخبار من الله تعالى، والمعنى: إنا كما عفونا عن ذبح ولدك كذلك نجزي من أحسن في طاعتنا، قال مقاتل: جزاء الله تعالى بإحسانه في طاعته العفو عن ذبح ابنه.

{إن هذا} أي: الذبح المأمور به {لهو البلاء المبين} أي: الاختبار الظاهر الذي يتميز فيه المخلصون من غيرهم، والمحنة البينة الصعوبة التي لا محنة أصعب منها وقال مقاتل: البلاء ههنا النعمة وهو أن فدى ابنه بالكبش كما قال تعالى:

{وفديناه} أي: المأمور بذبحه وهو إسماعيل وهو الأظهر، وقيل: إسحق {بذبح عظيم} أي: عظيم الجثة سمين أو عظيم القدر؛ لأن الله تعالى فدى به نبياً ابن نبي وأي نبي من نسله سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام، وهو كبش أتى به جبريل عليه السلام من الجنة وهو الذي قربه هابيل، فقال لإبراهيم: هذا فدا ولدك فاذبحه دونه، فكبر إبراهيم وكبر ولده، وكبر جبريل وكبر الكبش وأخذ إبراهيم الكبش، وأتى به المنحر من منى فذبحه، قال البغوي: قال أكثر المفسرين: كان ذلك الذبح كبشاً رعى في الجنة أربعين خريفاً، وقيل: كان وعلاً أهبط عليه من ثبير، وروي أنه هرب منه عند الجمرة فرماه بسبع حصيات حتى أخذه فصارت سنة.

تنبيه: الذبح مصدر ويطلق على ما يذبح وهو المراد في هذه الآية.

{وتركنا عليه في الآخرين} ثناء حسناً، وقوله تعالى: {سلام} أي: منا {على إبراهيم} سبق بيانه في قصة نوح عليهما السلام.

{كذلك} أي: كما جزيناك {نجزي المحسنين} لأنفسهم، وقوله تعالى:

{إنه من عبادنا المؤمنين} تعليل لإحسانه بالإيمان إظهاراً لجلالة قدره وأصالة أمره وقوله تعالى:

{وبشرناه بإسحق} فيه دليل على أن الذبيح غيره، وقد مرت الإشارة إلى ذلك، وقوله تعالى {نبياً} حال مقدرة أي: يوجد مقدراً نبوته، وقوله تعالى: {من الصالحين} يجوز أن يكون صفة لنبياً وأن يكون حالاً من الضمير في نبياً فتكون حالاً متداخلة، ويجوز أن تكون حالاً ثانية ومن فسر الذبيح بإسحق عليه السلام جعل المقصود من البشارة نبوته، وفي ذكر الصلاح بعد النبوة تعظيم لشأنه وإيماء بأنه الغاية لها لتضمنها معنى الكمال والتكميل.

{وباركنا عليه} أي: على إبراهيم عليه السلام بتكثير ذريته {وعلى إسحق} بأن أخرجنا من صلبه أنبياء بني إسرائيل وغيرهم كأيوب وشعيب عليهم السلام فجميع الأنبياء بعده من صلبه إلا نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم فإنه من ذرية إسماعيل عليه السلام وفيه إشارة إلى أنه مفرد علم فهو صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. {ومن ذريتهما محسن} أي: مؤمن طائع {وظالم} أي: كافر وفاسق {لنفسه مبين} أي: ظاهر ظلمه، وفي ذلك تنبيه على أن النسب لا أثر له في الهدى والضلال وأن الظلم في أعقابهما لا يعود عليهما بنقيصة وعيب ولا غير ذلك والله أعلم.

القصة الثالثة: قصة موسى وهارون عليهما السلام المذكورة في قوله تعالى:

{ولقد مننا على موسى وهارون}

طور بواسطة نورين ميديا © 2015