أجري، واكفف عني ثيابي حتى لا ينتضح عليها من دمي شيء وتراه أمي فتحزن حزناً طويلاً، واشحذ شفرتك وأسرع مر السكين على حلقي ليكون أهون علي فإن الموت شديد، وإذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام مني، وإن رأيت أن ترد قميصي على أمي فافعل فإنه عسى أن يكون أسلى لها عني فقال له إبراهيم: نعم العون أنت يا بني على أمر الله تعالى ففعل إبراهيم ما أمر به ابنه، ثم أقبل عليه يقبله وقد ربطه وهو يبكي والابن يبكي ثم إنه وضع السكين على حلقه فلم تجل شيئاً ثم أنه شحذها مرتين أو ثلاثاً بالحجر كل ذلك لا يستطيع أن يقطع شيئاً، قال السدي: ضرب الله تعالى صفيحة من نحاس على حلقه قال: فقال الإبن عند ذلك يا أبت كبني على وجهي لجبيني فإنك إذا نظرت في وجهي رحمتني وأدركتك رحمة تحول بينك وبين أمر الله وأنا لا أنظر الشفرة فأجزع، ففعل ذلك إبراهيم ووضع السكين على قفاه فانقلبت السكين.
{وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا} أي: بالعزم والإتيان بالمقدمات ما أمكنك.
تنبيه: في جواب لما ثلاثة أوجه أظهرها: أنه محذوف، أي: نادته الملائكة عليهم السلام أو ظهر صبرهما أو أجزلنا لهما أجرهما، وقدره بعضهم بعد الرؤيا كان ما كان مما ينطق به الحال والوصف مما لا يدرك كنهه.
ونقل ابن عطية أن التقدير: فلما أسلما سلما وتله للجبين ويعزى هذا لسيبويه وشيخه الخليل.
الثاني: أنه وتله للجبين والواو زائدة، وهو قول الكوفيين والأخفش، الثالث: أنه وناديناه والواو زائدة أيضاً واقتصر على هذا الجلال المحلي، وروى أبو هريرة عن كعب الأحبار: أن إبراهيم عليه السلام لما رأى ذبح ولده قال الشيطان: لئن لم أفتن آل إبراهيم عند هذا لم أفتن أحداً منهم أبداً فتمثل الشيطان في صورة رجل وأتى أم الغلام وقال: هل تدرين أين يذهب إبراهيم بابنك؟ قالت: ذهب به يحتطبان من هذا الشعب قال: والله ما ذهب به إلا ليذبحه، قالت: كلا هو أرحم به وأشد حباً له من ذلك، قال: إنه يزعم أن الله أمره بذلك، قالت: فإن كان ربه أمره بذلك فقد أحسن إن يطيع ربه، فخرج من عندها الشيطان، ثم أدرك الابن وهو يمشي على إثر أبيه فقال له: يا غلام هل تدري أين يذهب بك أبوك؟ قال: نحتطب لأهلنا من هذا الشعب قال: والله ما يريد إلا أن يذبحك، قال: ولم؟ قال: زعم أن ربه أمره، قال: فليفعل ما أمره به ربه فسمع وطاعة، فلما امتنع منه الغلام أقبل على إبراهيم فقال له: أين تريد أيها الشيخ؟ قال: أريد هذا الشعب لحاجة لي فيه، قال: والله إني لأرى الشيطان قد جاءك في منامك فأمرك بذبح ولدك هذا، فعرفه إبراهيم فقال: إليك عني يا عدو الله فوالله لأمضين لأمر ربي فرجع إبليس بغيظه لم يصب من إبراهيم وآله شيئاً كما أراد الله عز وجل.
وروى أبو الطفيل عن ابن عباس رضي الله عنه: أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما أمر بذبح ابنه عرض له الشيطان بهذا المشعر فسابقه فسبقه إبراهيم ثم ذهب إلى جمرة العقبة، فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم أدركه عند الجمرة الكبرى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم مضى إبراهيم لأمر الله تعالى فنودي من الجبل أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا.
فإن قيل: لم قال تعالى: {قد صدقت الرؤيا} وكان قد رأى الذبح ولم يذبح؟ أجيب: بأنه جعله مصدقاً لأنه قد أتى بما أمكنه