عليهم في ديارهم» ، وقيل: تسلم عليهم الملائكة من ربهم لقوله تعالى {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم} (الرعد: 23 ـ 24)

أي: يقولون: سلام عليكم يا أهل الجنة من ربكم الرحيم وقيل: يعطيهم السلامة الأبدية.

ولما ذكر ما للمؤمنين من النعيم ذكر ما للكافرين من الجحيم بقوله تعالى:

{وامتازوا} أي: ويقال للمجرمين امتازوا أي: انفردوا {اليوم أيها المجرمون} عن المؤمنين عند اختلاطهم بهم قال الضحاك: لكل كافر في النار بيت يدخل ذلك البيت فيردم بابه بالنار فيكون فيه أبد الآبدين لا يرى ولا يرى، وقيل: إن قوله تعالى {وامتازوا} أمر تكوين فحين يقول {امتازوا اليوم} فيميزون بسيماهم ويظهر على جباههم وفي وجوههم سواد كما قال تعالى {يعرف المجرمون بسيماهم} (الرحمن: 41)

ولما أمروا بالامتياز وشخصت منهم الأبصار وكلحت الوجوه وتنكست الرؤوس قال تعالى موبخاً لهم:

{ألم أعهد إليكم} أي: أوصيكم إيصاء عظيماً بما نصبت من الأدلة ومنحت من العقول وبعثت من الرسل عليهم الصلاة والسلام وأنزلت من الكتب في بيان الطريق الموصل إلى النجاة.

ولما كان المقصود بهذا الخطاب تقريعهم وتبكيتهم وكانت هذه السورة قلباً وكان القلب أشرف الأعضاء وكان الإنسان أشرف الموجودات خصه بالخطاب بقوله تعالى: {يا بني آدم} أي: على لسان رسلي عليهم الصلاة والسلام، واختلف في معنى: هذا العهد على وجوه أقواها: ألم أوص إليكم كما مر، وقيل: آمركم، وقيل: غير ذلك، واختلفوا في هذا العهد أيضاً على أوجه:

أظهرها: أنه مع كل قوم على لسان رسلهم كما مر، وقيل: هو العهد الذي كان مع آدم في قوله تعالى {ولقد عهدنا إلى آدم} (طه: 115)

وقيل: هو الذي كان مع ذريته عليه السلام حين أخرجهم وقال {ألست بربكم قالوا بلى} (الأعراف: 172)

{أن لا تعبدوا الشيطان} أي: البعيد المحترق بطاعتكم فيما يوسوس به إليكم والطاعة قد تطلق على العبادة.

ثم علل النهي عن عبادته بقوله تعالى: {إنه لكم} والتأكيد؛ لأن أفعالهم أفعال من يعتقد صداقته {عدو مبين} أي: ظاهر العداوة جداً من جهة عداوته لأبيكم التي أخرجتكم من الجنة التي لا منزل أشرف منها ومن جهة أمركم بما ينغص الدنيا من التخالف والخصام، ومن جهة تزيينه للفاني الذي لا يرغب فيه عاقل لو لم يكن فيه عيب غير فنائه فكيف إذا كان أكثره أكداراً وأدناساً؟ فكيف إذا كان شاغلاً عن الباقي؟ فكيف إذا كان عائقاً عن المولى؟ فكيف إذا كان مغضباً له حاجباً عنه؟ فإن قيل: إذا كان الشيطان عدواً للإنسان فما بال الإنسان يقبل على ما يرضيه من الزنا، والشرب، ونحو ذلك، ويكره ما يسخطه من المجاهدة، والعبادة ونحو ذلك؟ أجيب: بأنه يستعين عليه بأعوان من عند الإنسان وترك استعانة الإنسان بالله تعالى، فيستعين بشهوته التي خلقها الله تعالى فيه لمصالح بقائه وبقاء نوعه ويجعلها سبباً لفساد حاله، ويدعوه بها إلى مسالك المهالك، وكذا يستعين بغضبه الذي خلقه الله تعالى فيه لدفع المفاسد ويجعله سبباً لوباله وفساد أحواله، وميل الإنسان إلى المعاصي كميل المريض إلى المضار، وذلك حيث ينحرف المزاج عن الاعتدال فترى المحموم يريد الماء البارد وهو يزيد في مرضه ومن معدته فاسدة لا تهضم القليل من الغداء يميل إلى الأكل الكثير ولا يشبع بشيء وهو يزيد فساد معدته وصحيح المزاج لا يشتهي إلا ما ينفعه.

ولما منع من عبادة الشيطان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015