فرحون.
ولما كانت النفس لا يتم سرورها إلا بالقرين الملائم قال تعالى:
{هم} أي: بظواهرهم وبواطنهم {وأزواجهم} أي: أشكالهم الذين لهم في غاية الملاءمة كما كانوا يتركونهم في المضاجع على ألذ ما يكون ويصفون أقدامهم في خدمتنا وهم يبكون من خشيتنا، وفي هذا إشارة إلى عدم الوحشة {في ظلال} أي: يجدون فيها برد الأكباد وغاية المراد فلا تصيبهم الشمس كما كانوا يشوون أكبادهم في دار العمل بحر الصيام والصبر في مرضاتنا على الآلام ويعرون أيديهم وقلوبهم من الأموال ببذل الصدقات في سبيلنا على ممر الليالي وكر الأيام.
تنبيه: ظلال جمع ظل كشعاب أو ظله كقباب ويؤيده قراءة حمزة والكسائي بضم الظاء ولا ألف بين اللامين وهم مبتدأ وخبره في ظلال كما قاله أبو البقاء.
ولما كان التمتع لا يكمل إلا مع العلو الممكن من زيادة العلم الموجب لارتياح النفس وبهجة العين بانفساح البصر عند مد النظر قال تعالى {على الأرائك} أي: السرر المزينة العالية التي هي داخل الحجال قال ثعلب لا تكون أريكة حتى تكون عليها حجلة وقال ابن جرير الأرائك الحجال فيها السرر وروى أبو عبيدة في (الفضائل) عن الحسن قال: كنا لا ندري ما الأرائك حتى لقينا رجل من أهل اليمن، فأخبرنا أن الأريكة عندهم الحجلة فيها السرير وهذا جزاء لما كانوا يلزمون المساجد ويغضون أبصارهم ويضعون نفوسهم لأجلنا {متكئون} كما كانوا يدأبون في الأعمال قائمين بين أيدينا في أغلب الأحوال، والاتكاء الميل على شق مع الاعتماد على ما يريح الاعتماد عليه أو الجلوس مع التمكن على هيئة المتربع وفي هذا إشارة إلى الفراغ وقوله تعالى:
{لهم} أي: خاصة بهم {فيها فاكهة} أي: لا تنقطع أبداً ولا مانع لهم من تناولها ولا يتوقف ذلك على غير الإرادة إشارة إلى أن لا جوع هناك؛ لأن التفكه لا يكون لدفع الجوع {ولهم ما يدعون} أي: يتمنون.
تنبيه: في ما هذه ثلاثة أوجه: موصولة اسمية نكرة موصوفه، والعائد على هذين محذوف مصدرية، ويدعون مضارع ادعى افتعل من دعا يدعو أشرب معنى التمني، وقال الزجاج: هو من الدعاء أي: ما يدعونه أهل الجنة يأتيهم من دعوت غلامي فيكون الافتعال بمعنى: الفعل كالاحتمال بمعنى: الحمل والارتحال بمعنى: الرحل، وقيل: افتعل بمعنى: تفاعل أي: ما يتداعونه كقولهم: ارتموا وتراموا بمعنى واحد، ثم فسر الذي يدعونه أي: يطلبونه بغاية الاشتياق إليه واستأنف الإخبار عنه بقوله تعالى:
{سلام} أي: عظيم جداً عليكم يا أهل الجنة والسلام يجمع جميع النعم ثم بين هذا السلام بما أظهر من عظمه بقوله {قولاً من رب} أي: دائم الإحسان {رحيم} أي: عظيم الإكرام بما ترضاه الإلهية كما كانوا في الدنيا يفعلون كل ما فيه الرضا فيرحمهم في حال السلام وسماع الكلام بلذّة الرؤية مع التقوية على الدهش والضعف لعظيم الأمر وبالتأهيل لهذا المقام الأكرم مع قصورهم عنه.
روى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب عز وجل قد أشرف عليهم من فوقهم فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم فيبقى نوره وبركته