صلى الله عليه وسلم ثلاث ضربات كسر في كل ضربة ثلثاً منها، وبرقت مع كل ضربة برقة كبر معها تكبيرة وأضاءت للصحابة رضي الله تعالى عنهم ما بين لابتي المدينة بحيث كانت في النهار، كأنها مصباح في جوف بيت مظلم فسألوه عن ذلك، فأخبرهم صلى الله عليه وسلم أن إحدى الضربات أضاءت له صنعاء من أرض اليمن حتى رأى أبوابها من مكانه ذلك، وأخبره جبريل عليه السلام أنها ستفتح على أمته، وأضاءت له الأخرى قصور الحيرة البيض كأنها أنياب الكلاب، وأخبر أنها مفتوحة لهم، وأضاءت له الأخرى قصور الشام الحمر كأنها أنياب الكلاب، وأخبر بفتحها عليهم فصدقه الله تعالى في جميع ما قال، وأعظم من ذلك تصلب الخشب له عليه السلام حتى صار سيفاً قوىّ المتن جيد الحديدة، وذلك أن سيف عبد الله بن جحش انقطع يوم أحد فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرجوناً فصار في يده سيفاً قائمة منه فقاتل به، فكان يسمى العرجون ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده حتى قتل، وهو عنده وعن الواقدي: «أنه انكسر سيف سلمة بن أسلم يوم بدر، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قضيباً كان في يده من عراجين رطاب فقال: اضرب به فإذا هو سيف جيد، فلم يزل عنده حتى قتل» وإلحام داود للحديد ليس بأعجب من: «إلحام النبي صلى الله عليه وسلم ليد معوذ بن عفراء لما قطعها أبو جهل يوم بدر فأتى بها يحملها في يده الأخرى فبصق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وألصقها فلصقت وصحت مثل أختها» كما نقله البيهقي

وغيره ومعجزاته صلى الله عليه وسلم لا تنحصر، وإنما أذكر بعضها تبركاً بذكره صلى الله عليه وسلم وأسأل الله تعالى أن يحشرنا في زمرته ويفعل ذلك بأهلينا ومحبينا.

ولما أتم الله تعالى المراد من آيات داود عليه السلام، أتبعها بعض آيات ابنه سليمان عليه الصلاة والسلام لمشاركته في الإنابة بقوله تعالى:

{ولسليمان} أي: عوضاً عن الخيل التي عقرها لله تعالى {الريح} قرأ شعبة الريح بالرفع على الابتداء، والخبر في الجار قبله أو محذوف والباقون بالنصب بإضمار فعل أي: وسخرنا {غدوها} أي: سيرها من الغدوة بمعنى الصباح إلى الزوال {شهر} أي: تحمله وتذهب به وبجميع عسكره من الصباح إلى نصف النهار مسيرة شهر {ورواحها} أي: من الزوال إلى الغروب {شهر} أي: مسيرته فكانت تسير به في يوم واحد مسيرته شهرين قال الحسن: كان يغدو من دمشق فيقبل بإصطخر وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع، وهذا كما سخر الله تعالى الريح لنبينا صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب، فكانت تهد خيامهم وتضرب وجوههم بالتراب والحجارة، وهي لا تجاوز عسكرهم إلى أن هزمهم الله تعالى بها، وكما حملت شخصين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم في غزوة تبوك فألقتهما بجبل طيىء، وتحمل من أراد الله تعالى من أولياء أمته كما هو في غاية الشهرة ونهاية الكثرة، وأما أمر الإسراء والمعراج فهو من الجلالة والعظم بحيث لا يعلمه إلا الله تعالى، مع أن الله تعالى صرفه في آيات السماء بحبس المطر تارة وإرساله أخرى.

ولما ذكر تعالى الريح أتبعها ما هو من أسباب تكوينه بقوله تعالى: {وأسلنا} أي: أذبنا بما لنا من العظمة {له عين القطر} أي: النحاس حتى صار كأنه عين ماء فأجريت ثلاثة أيام بلياليهن كجري الماء، وعمل الناس إلى اليوم مما أعطي سليمان {ومن الجن} أي: الذي سترناهم عن العيون من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015