وقوله تعالى: {فقد ضل} قرأه قالون وابن كثير وعاصم بالإظهار، والباقون بالإدغام وزاد ذلك بقوله تعالى: {ضلالاً مبيناً} أي: فقد أخطأ خطأ ظاهراً لا خفاء فيه، فالواجب على كل أحد أن يكون معه صلى الله عليه وسلم في كل ما يختاره، وإن كان فيه أعظم المشقات عليه تخلقاً. يقول الشاعر:
*وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخر عنه ولا متقدم*
*وأهنتني فأهنت نفسي عامداً ... ما من يهون عليك ممن يكرم*
فلما نزلت هذه الآية رضيت زينب بذلك وجعلت أمرها بيد النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك أخوها فأنكحها صلى الله عليه وسلم زيداً، فدخل بها وساق إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دنانير وستين درهماً، وخماراً ودرعاً وإزاراً وملحفة، وخمسين مداً من الطعام، وثلاثين صاعاً من تمر. ومكثت عنده حيناً. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى زيداً ذات يوم لحاجة، فأبصر زينب قائمة في درع وخمار وكانت بيضاء جميلة ذات خلق من أتم نساء قريش، فوقعت في نفسه وأعجبه حسنها فقال: سبحان الله مقلب القلوب وانصرف، فلما جاء زيد ذكرت ذلك له ففطن زيد، فألقي في نفس زيد كراهتها في الوقت، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أريد أن أفارق صاحبتي قال: مالك أربك منها شيء قال: لا والله يا رسول الله ما رأيت منها إلا خيراً، ولكنها تتعاظم عليّ لشرفها، وتؤذيني بلسانها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أمسك عليك زوجك يعني زينب بنت جحش واتق الله في أمرها فأنزل الله تعالى:
{وإذ تقول للذي أنعم الله} أي: الملك الذي له كل الكمال {عليه} وتولى نبيه عليه الصلاة والسلام إياه» ، وقرأ نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم بالإظهار والباقون بالإدغام.
ثم بين تعالى منزلته من النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: {وأنعمت عليه} أي: بالعتق والتبني حيث استشارك في فراق زوجته التي أخبرك الله تعالى أنه يفارقها وتصير زوجتك {أمسك عليك زوجك} أي: زينب رضي الله عنها {واتق الله} الذي له جميع العظمة في جميع أمرك {وتخفي} أي: والحال أنك تخفي أي: تقول قولاً مخفياً {ما في نفسك} أي: ما أخبرك الله من أنها ستصير إحدى زوجاتك عند طلاق زيد {ما الله مبديه} أي: مظهره بحمل زيد على تطليقها، وإن أمرته بإمساكها وتزويجك بها وأمرك بالدخول عليها، وهذا دليل على أنه ما أخفى غير ما أعلمه الله تعالى من أنها ستصير زوجته عند طلاق زيد؛ لأن الله تعالى ما أبدى غير ذلك، ولو أخفى غيره لأبداه سبحانه؛ لأنه لا يبدل قوله، وقول ابن عباس كان في قلبه حبها بعيد، وكذا قول قتادة: ودّ لو أنه لو طلقها زيد، وكذا قول غيرهما: كان في قلبه لو فارقها زيد تزوجها.
ولما ذكر تعالى إخفاءه ذلك ذكر علته بقوله تعالى: عاطفاً على تخفي {وتخشى الناس} أي: من أن تخبر بما أخبر الله تعالى به فيصوبوا إليك مرجمات الظنون لاسيما اليهود والمنافقون، وقال ابن عباس والحسن: تستحييهم، وقيل: تخاف لأئمة الناس أن يقولوا: أمر رجلاً بطلاق امرأته ثم نكحها {والله} أي: والحال أن الذي لا شيء أعظم منه {أحق أن تخشاه} أي: وحده ولا تجمع خشية الناس مع خشيته في أن تؤخر شيئاً أخبرك به حتى يأتيك فيه أمر. قال عمر وابن