شيء {لهم مغفرة} أي: لما اقترفوه من الصغائر لأنها مكفرات بفعل الطاعات، والآية عامة وفضل الله تعالى واسع.
ولما ذكر تعالى الفضل بالتجاوز أتبعه الفضل بالكرم والرحمة بقوله تعالى: {وأجراً عظيما} أي: على طاعتهم، والآية وعد لهن ولأمثالهن بالإثابة على الطاعة والتدرع بهذه الخصال، وروي أن سبب نزول هذه الآية: «أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن: يا رسول الله ذكر الله الرجال في القرآن ولم يذكر النساء بخير فما فينا خير نذكر به؟ إنا نخاف أن لا تقبل منا طاعة فأنزل الله تعالى هذه الآية» .
روي أن أسماء بنت عميس رجعت من الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب فدخلت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: هل نزل فينا شيء من القرآن قلن: لا فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: «يا رسول الله إن النساء لفي خيبة وخسار قال: ومم ذاك قالت: لأنهن لا يذكرن بخير كما تذكر الرجال» فأنزل الله عز وجل هذه الآية. وقيل: لما نزل في نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما نزل قال نساء المسلمين: فما نزل فينا شيء فنزلت.
تنبيه: عطف الإناث على الذكور لاختلاف جنسهما، والعطف فيه ضروري لاختلافهما ذاتاً، وعطف الزوجين وهو مجموع المؤمنين والمؤمنات على الزوجين، وهو مجموع المسلمين والمسلمات لتغاير وصفيهما. وليس العطف فيه بضروري بخلافه في الأول؛ لأن اختلاف الجنس أشد من اختلاف الصفة، وفائدة العطف عند تغاير الأوصاف الدلالة على أن أعداد المعد من المغفرة والأجر العظيم أي: تهيئته للمذكورين للجمع بين هذه الصفات، فصار المعنى: أن الجامعين والجامعات لهذه الطاعات العشر أعد الله تعالى لهم مغفرة وأجراً عظيماً.
وقوله تعالى:
{وما كان} أي: وما صح {لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً} أي: إذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الله تعالى لتعظيم أمره، والإشعار بأنه قضاء الله تعالى. نزلت في زينب بنت جحش الأسدية وأخيها عبد الله بن جحش، وأمها أمية بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم «لما خطب النبي صلى الله عليه وسلم زينب على مولاه زيد بن حارثة، وكان اشترى زيداً في الجاهلية بعكاظ فأعتقه وتبناه، فلما خطب النبي صلى الله عليه وسلم زينب رضيت وظنت أنه يخطبها لنفسه، فلما علمت أنه يخطبها لزيد بن حارثة أبت وقالت: أنا ابنة عمتك يا رسول الله فلا أرضاه لنفسي، وكانت بيضاء جميلة فيها حدة، وكذلك كره أخوها» ذلك رواه الدارقطني بسند ضعيف، وقيل: في أم كلثوم بنت عقبة وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فزوجها من زيد {أن تكون لهم الخيرة من أمرهم} أي: أن يختاروا من أمرهم شيئاً، بل يجب عليهم أن يجعلوا اختيارهم تبعاً لاختيار الله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم
تنبيه: الخيرة: مصدر من تخير كالطيرة من تطير على غير قياس، وجمع الضمير في قوله تعالى: {لهم} وفي قوله تعالى: {من أمرهم} لعموم مؤمن ومؤمنة من حيث أنها في سياق النفي، ويجوز أن يكون الضمير في من أمرهم لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وجمع للتعظيم كما جرى عليه البيضاوي، وقرأ أن يكون الكوفيون وهشام بالياء التحتية والباقون بالفوقية، ولأنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، ومن عصاه فقد عصى الله تعالى كما قال تعالى: {ومن يعص الله} أي: الذي لا أمر لأحد معه {ورسوله} أي: الذي معصيته معصية الله تعالى لكونه بينه وبين الخلق في بيان ما أرسل به إليهم.