الله تعالى {رحماء بينهم} (الفتح: 29)

واختلف في تفسير قوله تعالى {وأرضاً} أي: وأورثكم أرضاً {لم تطؤها} فعن مقاتل أنها خيبر وعليه أكثر المفسرين، وعن الحسن فارس والروم، وعن قتادة كما تحدث أنها مكة، وعن عكرمة كل أرض تفتح إلى القيامة، ومن بدع التفسير أنه أراد نساءهم انتهى.

ولما كان ذلك أمراً باهراً سهله بقوله تعالى: {وكان الله} أي: أزلاً وأبداً بما له من صفات الكمال {على كل شيء} هذا وغيره {قديراً} أي: شامل القدرة، روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «لا إله إلا الله وحده أعز جنده ونصر عبده وغلب الأحزاب وحده فلا شيء بعده» ولما أرشد الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم إلى جانب ما يتعلق بجانب التعظيم لله تعالى بقوله تعالى: {يا أيها النبي اتق الله} ذكر ما يتعلق بجانب الشفقة، وبدأ بالزوجات فإنهن أولى الناس بالشفقة ولهذا قدمهن في النفقة فقال:

{يا أيها النبي قل لأزواجك} أي: نسائك {إن كنتن} أي: كوناً راسخاً {تردن} أي: اختياراً على {الحياة} ووصفها بما يزهد فيها ذوي الهمم، ويذكر من له عقل بالآخرة بقوله تعالى: {الدنيا} أي: ما فيها من السعة والرفاهية والنعمة {وزينتها} أي: المنافية لما أمرني به ربي من الإعراض عنه واحتقاره من أمرها لأنها أبغض خلقه إليه لأنها قاطعة عنه {فتعالين} أصله أن الآمر يكون أعلى من المأمور فيدعوه أن يرفع نفسه إليه، ثم كثر حتى صار معناه أقبل وهو هنا كناية عن الأخبار والإرادة بعلاقة أن المخبر يدنو إلى من يخبره {أمتعكن} أي: بما أحسن به إليكن من متعة الطلاق، وهي واجبة لزوجة لم يجب لها نصف مهر فقط بأن وجب لها جميع المهر، أو كانت مفوضة لم توطأ ولم يفرض لها شيء صحيح.

أما في الأولى: فلأن المهر في مقابلة منفعة بضعها، وقد استوفاها الزوج فتجب للإيحاش المتعة، وأما في الثانية: فلأن المفوضة لم يحصل لها شيء، فيجب لها متعة للإيحاش، بخلاف من وجب لها النصف فلا متعة لها لأنه لم يستوف منفعة بضعها فيكفي نصف مهرها للإيحاش. هذا إذا كان الفراق لا بسببها، وسن أن لا تنقص عن ثلاثين درهماً أو ما قيمته ذلك، وأن لا تبلغ نصف المهر، فإن تراضيا على شيء فذاك، وإلا قدرها قاض باجتهاده بقدر حالهما من يساره وإعساره ونسبها وصفاتها قال تعالى {ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره} (البقرة: 236)

{وأسرحكن} أي: من حبالة عصمتي {سراحاً جميلاً} أي: طلاقاً من غير مضارة ولا نوع حطة ولا مقاهرة.

{وإن كنتن} أي: بما لكن من الجبلة {تردن الله} أي: الآمر بالإعراض عن الدنيا {ورسوله} أي: المؤتمر بما أمره به من الانسلاخ عنها، المبلغ للعباد جميع ما أرسله به من أمر الدنيا والدين، لا يدع منه شيئاً لما له عليكن وعلى سائر الناس من الحق بما يبلغهم عن الله تعالى {والدار الآخرة} أي: التي هي الحيوان بما لها من البقاء والعلو والارتقاء {فإن الله} بما له من جميع صفات الكمال {أعد} أي: في الدنيا والآخرة {للمحسنات منكن} أي: اللاتي يفعلن ذلك {أجراً عظيماً} تستحقر دونه الدنيا وزينتها، ومن للبيان لأنهن كلهن محسنات قال المفسرون: سبب نزول هذه الآية: أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم سألنه من عرض الدنيا شيئاً، وطلبن منه زيادة في النفقة وآذينه بغيرة بعضهن على بعض، فهجرهن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015