وخندق في سوق المدينة خندقاً وقدمهم فضرب أعناقهم من ثمانمائة إلى تسعمائة وقيل كانوا ستمائة مقاتل وسبعمائة أسير {وقذف} أي: الله تعالى {في قلوبهم الرعب} حتى سلموا أنفسهم للقتل وأولادهم ونساءهم للسبي كما قال الله تعالى: {فريقاً تقتلون} وهم الرجال يقال: كانوا ستمائة {وتأسرون فريقاً} وهم النساء والذراري يقال: كانوا سبعمائة وخمسين، ويقال: تسعمائة.e
فإن قيل: ما فائدة تقديم المفعول في الأول حيث قال تعالى: {فريقاً تقتلون} وتأخيره في الثاني حيث قال: {وتأسرون فريقاً} أجيب: بأن الرازي قال: ما من شيء من القرآن إلا وله فائدة، منها ما يظهر ومنها ما لا يظهر، والذي يظهر من هذا والله أعلم؛ أن القائل يبدأ بالأهم فالأهم والأقرب فالأقرب، والرجال كانوا مشهورين، وكان القتل وارداً عليهم، وكان الأسراء هم النساء والذراري ولم يكونوا مشهورين، والسبي والأسر أظهر من القتل لأنه يبقى فيظهر لكل أحد أنه أسير فقدم من المحلين ما اشتهر على الفعل القائم به، ومن الفعلين ما هو أشهر قدمه على المحل الخفي انتهى. وقرأ ابن عامر والكسائي الرعب بضم العين والباقون بسكونها.
ولما ذكر الناطق بقسميه ذكر الصامت بقوله تعالى:
{وأورثكم أرضهم} من الحدائق والمزارع {وديارهم} أي: حصونهم لأنه يحامى عليها ما لا يحامى على غيرها {وأموالهم} من النقد والماشية والسلاح والأثاث وغيرها، فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم «للفارس ثلاثة أسهم للفرس سهمان ولفارسه سهم» ، كما للراجل ممن ليس له فرس سهم. وأخرج منها الخمس وكانت الخيل ستة وثلاثين فرساً، وكان هذا أول فيء وضع فيه السهمان، وجرى على سننه في المغازي واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم من سباياهم ريحانة بنت عمرو بن قريظة.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص عليها أن يتزوجها ويضرب عليها الحجاب فقالت: يا رسول الله تتركني في ملكك فهو أخف علي وعليك فتركها، وكانت حين سباها كرهت الإسلام وأبت إلا اليهودية فعزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجد في نفسه من أمرها، فبينما هو مع أصحابه إذ سمع وقع نعلين خلفه فقال: إن هذا لثعلبة ابن شعبة يبشرني بإسلام ريحانة، فجاءه فقال: يا رسول الله قد أسلمت ريحانة فسره ذلك.
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل عقارهم للمهاجرين دون الأنصار فقالت الأنصار في ذلك فقال: إنكم في منازلكم وقال عمر: إنا نخمس كما خمست يوم بدر، قال: لا إنما جعلت هذه طعمة لي دون الناس قال: رضينا بما صنع الله ورسوله.
وأنزل الله تعالى توبة أبي لبابة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أم سلمة، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فقالت: مم تضحك يا رسول الله أضحك الله تعالى سنك فقال: تيب على أبي لبابة فقالت: ألا أبشره بذلك يا رسول الله قال: بلى إن شئت، فقامت على باب حجرتها وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب فقالت: يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله تعالى عليك، فثار الناس إليه ليطلقوه فقال: لا والله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقني بيده، فلما مر عليه خارجاً إلى الصبح أطلقه، ومات سعد بن معاذ بعد انقضاء غزوة بني قريظة.
قالت عائشة: فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، فو الذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وإني لفي حجرتي، قالت: وكانوا كما قال